إن لله ما بأيدي العباد
فاسأل الله ما طلبت إليهم
وارج فضل المقسم العواد
لا تقل في الجواد ما ليس خيرا
وتسم البخيل باسم الجواد
وسموا أحد شعرائهم شاعر المؤمنين، وشعراء الخليفة العباسي شعراء الكافرين ... فشعراء الخوارج يزنون الشعر بميزان الدين والأخلاق، بينما يزنه شعراء الخلفاء والأمراء بالميزان الفني البحت، ويجعلون أمامهم الشعر الجاهلي والنزعات الداخلية، كل هذا صب في العراق صبا، وتعدد المقلدون حسب هذه المذاهب المختلفة، فكان لنا العباس بن الأحنف يشبه عمر بن أبي ربيعة، وأبو نواس يشبه الوليد بن يزيد الأموي، والخوارج الأخيرون يشبهون الخوارج الأولين، وهكذا ...
التقدم اللغوي
وبلغت اللغة الذروة في عهد الرشيد؛ لنمو الثقافة والحضارة في عهده، وقد كان هارون ظلها الظليل، والمغدق على العلماء والشعراء والموسيقيين، ولقد أخذت علوم العربية في عهده نهضة جديدة اقترنت بأسماء الأصمعي، وأبي عبيدة، وأبي زيد، والفراء، والكسائي، وهؤلاء جميعا اتخذوا لغة البدو هي المثل الأعلى، والنموذج الرفيع، وكانوا دائما يقاومون لغة العامة في لحنهم، حتى أنكروا على الفراء أنه لحن بمحضر الرشيد، وأنه اعتذر عن ذلك بأن اللحن عند سكان المدن لازم لهم كالأعراب عند أهل البادية.
ولقد كان محببا إلى الخليفة أن يجالس النحاة، ويستمع إلى جدلهم ... وكان يقدر سلامة اللغة حق قدرها، ويدقق فيما لم يفهمه؛ فقد سمع الأصمعي يقول: «ما لاقتني بعدك أرض»؛ أي لم تمسكني، فلم يرتح حتى استفسر عنها، وكان مما حبب زبيدة إلى الرشيد فصاحتها وبلاغة أسلوبها، كالذي رؤي لها من خطابها للمأمون عندما قتل ابنها الأمين مما عد خير الكتب وأبلغها.
وكان الرشيد دقيق الفهم للعربية حتى كان يستطيع أن يفرق بين ماذا قلت أنا قاتل غلامك على سبيل الإضافة بمعنى قتلت غلامك، وبين أنا قاتل غلامك بالتنوين على معنى سأقتل غلامك، وكان يفرق بين قولك أنت طالق طالق طالق، وقولك أنت طالق وطالق وطالق، مما يدل على دقة الذوق.
Page inconnue