والثاني يحوي صورة البيعة لهما، وهي التي أخذها من الخاصة والعامة، وجعل الكتابين في البيت الحرام تأكيدا لهما، وعليهما توقيع الوزراء والقادة والأمراء ووجوه بني هاشم والقضاة والفقهاء، بعد أن أمر الرشيد بقراءة الكتابين، ووقع عليهما، واعترضت زبيدة يوما أم الأمين بإعطاء أدوات الحرب للمأمون فقال لها: «إني أخاف على المأمون من الأمين، ولا أخاف على الأمين من المأمون.»
واطمأنت نفس الرشيد بعض الشيء.
كتاب المأمون للرشيد
وهذا نص الكتاب الذي كتبه المأمون لأبيه الرشيد؛ يتعهد فيه بتنفيذ العهود التي أعطيت له ما نفذ الأمين العهود عليه:
بسم الله الرحمن الرحيم ... هذا كتاب كتبه عبد الله ابن هارون - أمير المؤمنين - في صحة من عقله، وجواز من أمره، وصدق نيته فيما كتب في كتابه هذا، ومعرفته بما فيه من الفضل والصلاح له ولأهل بيته وجماعة المسلمين.
إن أمير المؤمنين ولاني العهد والخلافة، وجميع أمور المسلمين في سلطانه، بعد أخي محمد بن هارون - أمير المؤمنين - وولاني في حياته وبعد موته ثغور خراسان وكورها وجميع أعمالها، من الصدقات والعشر والبريد والطرز وغير ذلك.
واشترط لي على محمد بن هارون - أمير المؤمنين - الوفاء بما عقد لي من الخلافة والولاية للبلاد والعباد بعده، وولاية خراسان وجميع أعمالها، لا يعرض لي في شيء مما أقطعني أمير المؤمنين، أو ابتاع لي من الضياع والعقد والدور والرباع، أو ابتعت لنفسي من ذلك، وما أعطاني أمير المؤمنين هارون من الأموال والجوهر والكساء والمتاع والدواب لا يحاسبني في شيء، ولا يدخل علي، ولا على أحد كان معي ومني، ولا عمالي ولا كتابي، ومن استعنت به من جميع الناس مكروها في نفس ولا دم ولا شعر ولا بشر ولا مال ولا صغير ولا كبير، وكتب بذلك كتابا وكتبه على نفسه.
وشرطت لعبد الله هارون أمير المؤمنين، وجعلت له على نفسي أن أسمع لمحمد بن أمير المؤمنين وأطيعه ولا أعصيه، وأنصحه ولا أغشه، وأوفي ببيعته وولايته، ولا أغدر ولا أنكث، وأنفذ كتبه وأموره، وأحسن مؤازرته ومكاتفته.
وأجاهد عدوه في ناحيتي ما وفى لي بما شرط لي، ولعبد الله هارون أمير المؤمنين، ورضي له به وقبلته، وإن احتاج محمد بن أمير المؤمنين إلى جند وكتب إلي يأمرني بإشخاصهم إليه أو إلى ناحية من النواحي، أو عدو من أعدائه خالفه وأراد نقص شيء من سلطانه الذي أسنده هارون أمير المؤمنين إلينا وولاناه؛ أن أنفذ ولا أخالفه، ولا أقصر في شيء كتب به إلي.
وإن أراد محمد بن أمير المؤمنين أن يولي رجلا من ولده العهد من بعدي؛ فذلك له ما وفى بما جعل لي أمير المؤمنين هارون، واشترط لي عليه، وشرطه على نفسه في أمري، وعلي إنفاذ ذلك والوفاء به، ولا أنقض ذلك ولا أغيره ولا أبدله، ولا أقدم قبله أحدا من ولدي، ولا قريبا ولا بعيدا من الناس أجمعين، إلا أن يولي هارون أمير المؤمنين أحدا من ولده العهد بعدي، فيلزمني ومحمدا الوفاء بذلك.
Page inconnue