نفسي صنيع الموفق اللقن
فالحمد لله لا شريك له
ليس بباق شيء على الزمن
إسراف الرشيد
ثم انتقل اللهو في عهد الرشيد نقلة جديدة؛ فأسرف فيه إسرافا لم يعرفه خليفة من قبله، وقد منحه الله عاطفة ينسى بها نفسه متى وجدت دواعي الأنس، وساعده على ذلك سلطان البرامكة في زمنه، ونقل عادات الفرس، وما نقل عنهم من ترف ونعيم، وكان صديق الرشيد جعفر البرمكي شابا مسرفا على نفسه يلهو ما شاء له اللهو، وكلاهما كان إذا نحا ناحية يصل فيها إلى نهايتها، حتى ليخيل لمن يقرأ مثل كتاب الأغاني أنه لا يعرف إلا اللهو، ويخطو خطوة أخرى، فيشرب ويسرف في الشراب لا كما كان يفعل أبوه.
على أنه - والحق يقال - لم يكن لاهيا كل اللهو كما تصوره الأغاني، ولا جادا كل الجد كالذي يصوره بعض الناس، وإنما كان جادا لاهيا معا، تثور عاطفته الدينية أحيانا فيصلي مائة ركعة، ويبكي من الوعظ، ويحج ماشيا، وتثور عاطفته الدنيوية حينا فيسمع الغناء ويشرب الشراب.
ويقول الشعر، وتثور عاطفته الحربية أحيانا فيتولى قيادة الصائفة والشاتية، فمن الناس من يجد ويلهو ... فإذا جاء وقت الجد أسرف فيه، وإذا جاء وقت اللهو أسرف فيه، ويقول مع القائل:
ولله مني جانب لا أضيعه
وللهو مني والخلاعة جانب
فكان الرشيد من هذا الصنف يحارب فيحسن الحرب، ويلهو فيحسن اللهو، وكان أبو نواس يعجب الرشيد حين تشعشع الخمر في رأسه، فيسمعه يصف الخمر ويصف لعبها بالعقول كالذي يقوله:
Page inconnue