Guerre et Paix
الحرب والسلم (الكتاب الأول): إلياذة العصور الحديثة
Genres
وأشفع عبارته بابتسامة وديعة، وجهها إلى شينشين والكونت، شأن الرجل الذي لا يشك أبدا في أن خصوصياته لا تشكل أقصى رغبات أنداده من بني البشر.
عاد بعد فترة صمت يتابع حديثه قائلا: أضف إلى كل ما قلت أنني، بانضمامي إلى سلاح الحرس، أكون مرموقا، وتكون المراكز الشاغرة أكثر حدوثا مما هي عليه في سلاح المدفعية، ثم ألا ترى، يا بيوتر نيكولائيتش، أنني ما كنت لأستطيع شيئا بمائتين وثلاثين روبلا لو كنت في سلاح الفرسان؟ أما في وضعي الحاضر، فإنني أدخر مرتبي، بل وأرسل منه إلى أبي.
ومن جديد انبعثت من فمه حلقات من الدخان، راحت تتصاعد متلوية، غمغم شينشين، وهو ينقل مبسمه إلى زاوية فمه أخرى: وهكذا يتم التوازن. إن المثل يقول: إن الألماني ينسج الخز من سوق القمح.
وغمز بعينيه للكونت، فانفجر هذا ضاحكا، وهرع عدد آخر من المدعوين، اجتذبهم مرح شينشين وحماسه، أما بيرج فإنه لم يعبأ بالسخرية، ولا بفتور المستمعين، بل ازداد انطلاقا في حديثه، وراح يؤكد أن انتقاله إلى سلاح الحرس أكسبه مرتبة تفوق بها على أقرانه، وأنه في أوقات الحرب يكون قائد السرية شديد التعرض للخطر، وبذلك تتاح له - هو بيرج - إمكانية الارتقاء إلى رتبة رئيس، بوصفه أقدم ملازم في الفرقة، هذا إلى جانب الحب الذي يتمتع به من كافة أفراد الفيلق، ورضاء أبيه عن وضعه الحاضر. وكان بيرج، وهو يصرح بكل هذه الأمور، يشعر بمرح حقيقي وسرور شديد، كانا يجعلانه مرتابا في أن يكون للآخرين من بني الإنسان أية مصالح غير مصالحه الخاصة. مع ذلك، فقد كانت لهجته الرقيقة المتزنة، بالإضافة إلى أنانيته الساذجة، تخفف من غلواء المستمعين.
أنزل شينشين قدميه على الأرض، وتناهض وهو يقول لبيرج مربتا على كتفه: حسنا يا فتاي الطيب ، هناك شيء واحد أثق به، وأتأكد منه، وهو أنه بمقدورك أن تفتح لنفسك الطريق سواء كنت في المشاة أو الخيالة.
فطفح وجه بيرج بالسعادة، بينما راح الكونت ومدعووه يغادرون المكتب للانتقال إلى البهو.
بلغ المدعوون تلك الفترة التي تسبق اقتراب موعد الطعام، والتي جرت العادة على ألا يثيروا خلالها مناقشات طويلة، بينما يحاولون التظاهر بأن سكوتهم وجمودهم، لا يرجعان إلى لهفتهم على الانتظام حول المائدة، كان المضيفون ينظرون إلى باب البهو، ويتبادلون النظرات بين الحين والحين، بينما يحاول المدعوون جاهدين معرفة سبب التأخير، وهل مرده انتظار أصحاب الوليمة وصول قريب رفيع المقام، أو تمهلهم ريثما ينضج لون معين من الطعام، تأخر الطهاة في تحضيره.
دخل بيير في تلك اللحظة بالذات، ومضى يجلس - بتصرفه الأخرق - على مقعد في منتصف البهو، معرقلا بجلوسه عليه سير المدعوين وانتقالهم، حاولت الكونتيس أن تدخل معه في حديث، لكنه أجاب على كل أسئلتها بكلمات صغيرة مقتضبة، وهو يسرح حوله الطرف من وراء نظارتيه، باحثا بنظرة ساذجة عن شخص معين، فسبب تصرفه تشويشا عاما شعر به كل الحاضرين باستثنائه هو، كان جل المدعوين يتأملون بفضول ذلك الفتى الوديع، ويتساءلون كيف استطاع متثاقل مثله أن يعتدي بالضرب على ضابط بوليس.
سألته الكونتيس: هل وصلت لتوك؟
فأجابها، وهو ينقب بأبصاره في زوايا البهو: آه، نعم يا سيدتي. - ألم تر زوجي بعد؟
Page inconnue