Mouvements de réforme et centres culturels dans l'Orient islamique moderne
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
Genres
وفي القرن السادس عشر، وفي عهد الإمبراطور المغولي جلال الدين محمد أكبر تعرض المجتمع الإسلامي في الهند لهزة عنيفة؛ فقد كان هذا الحاكم عظيما حقا، مصلحا حقا، ويعتبر عصره من أزهر العصور التي شهدتها الهند، ولكن حركته الإصلاحية لم تقتصر على الجيش والنظم الحربية والإدارية والمالية، ونواحي الحياة العلمية والأدبية والفنية، بل تعدت هذا كله إلى الدين؛ فقد اعتقد أكبر أنه لا يستطيع أن يحكم دولة تعتبر بحق متحفا أنثرولوجيا (جنسيا) حكما ناجحا؛ كانت الهند تضم خليطا عجيبا متباينا من الأجناس والأديان، والعادات والتقاليد والثقافات، فتطلع أكبر إلى توحيد هذا المجتمع الهندي في كل شيء، حتى في الدين. (2) أكبر والدين الإلهي (2-1) أكبر، الحاكم السني المتدين
ولي أكبر العرش في سنة 1556م وهو في الرابعة عشرة من عمره، وظل يحكم الهند خمسين عاما، وكان في العشرين سنة الأولى من حكمه مسلما سنيا كأحسن ما يكون المسلم السني، يحافظ على أصول الدين، ويؤدي الصلوات في المسجد وفي أوقاتها، بل لقد كان يقوم أحيانا مقام المؤذن فيدعو الناس للصلاة، وكان يحترم علماء الدين والمتصوفة الزاهدين ويبجلهم، ويؤثر صحبتهم، فيقضي في حضرتهم الساعات الطوال، ولا يتردد في إجابة مطالبهم مهما ضؤلت، وكان يحج في كل عام لزيارة ضريح الشيخ سليم الششتي في مدينة أجمير
Ajmer
فيطوف به عدة مرات، ثم يجلس في حضرته وقتا طويلا، وقد سمى ابنه سليما باسم هذا الشيخ، وهو الذي سيعرف - فيما بعد - باسم جهانجير
jahangir .
وكان أكبر لا يبدأ عملا أو قولا إلا بدأه بقوله: «يا هادي، يا معين»، وكان لهاتين الكلمتين - فيما يقال - أثر السحر في نفسه، كما كانتا تثيران حماس أتباعه الشديد، فكان جنود جيشه - مسلمين وهنودا - إذا سمعوه يدعو هذا الدعاء يرددونه وراءه في صوت جهوري، ثم ينقضون على العدو دون خوف أو وجل.
وكان أكبر يعتقد في الفقراء والمتصوفة، ويزور زواياهم حافي القدمين في أغلب الأحوال، وقد دفعته هذه الروح الدينية إلى الإقبال على دراسة القرآن والحديث، وساعدته حافظة قوية على استيعاب كل ما يلقيه عليه أساتذته.
ولم يقنع أكبر بهذا، بل أصدر أوامره بتعيين القضاة والمفتين في كل جزء من أجزاء مملكته؛ ليحكموا بين الناس بالعدل تبعا لأصول الشريعة الإسلامية، وكان يستجيب لمشورة العلماء في اضطهاد المتزندقة والملحدين.
وقرب أكبر إليه عددا من العلماء، كانوا بمثابة الرواد يوجهونه ويثقفونه؛ من أشهرهم: بيرم خان
Bairam Khan ، وعبد الله مخدوم الملك
Page inconnue