Mouvements de réforme et centres culturels dans l'Orient islamique moderne
محاضرات عن الحركات الإصلاحية ومراكز الثقافة في الشرق الإسلامي الحديث
Genres
وتوزعت السلطة في مصر بين قوى ثلاث: الباشا العثماني، والديوان، والمماليك، ثم لم تلبث السلطة أن تركزت إلى حد كبير في أيدي البكوات المماليك، وخاصة في القرن الثامن عشر عندما ضعفت الدولة العثمانية، وشغلت بحروبها المستمرة مع الدولتين الأوروبيتين المجاورتين: الروسيا والنمسا.
ولكن هؤلاء البكوات المماليك شغلوا بأطماعهم، وقامت بينهم المنافسات الحربية المتتابعة، وكان الشعب هو دائما الضحية بما كان يصيبه من سلب ونهب، أو مصادرة لأمواله أو اغتصاب لحقوقه ...
وكان الشعب إذا حزبه الأمر أو اشتد به الضيق يلجأ إلى العلماء، يشكو إليهم ما يصيبه من ظلم، وكان العلماء يستمعون دائما إلى هذه الشكوى، ويسعون لدى الأمراء والحكام لرفع هذا الحيف والظلم، وما يزالون بهم حتى يستجيبوا لنداء الواجب والقانون.
وبذلك أصبحت للعلماء زعامة تقليدية، تستمد مقوماتها من روح الإسلام ومن الشريعة الإسلامية، فالمجتمع يقوم على أسس من الشريعة الإسلامية؛ فهي القانون الذي تلتزمه الدولة في أحكامها، والعلماء هم أصحاب هذه الشريعة ودارسوها، منهم الفقهاء والقضاة والمفتون والمدرسون. (1) معاهد العلم
وكان الجامع الأزهر هو أكبر المعاهد العلمية في مصر، ولكنه مع هذا لم يكن المعهد الوحيد للدراسات العليا ولتخريج العلماء، بل كان يوجد إلى جانبه عدد من المدارس والمساجد تشاركه في القيام بهذه المهمة.
ومع هذا فقد كان الأزهر أهم هذه المعاهد جميعا وأشهرها، وقد يرجع هذا إلى أنه كان أغناها؛ لوفرة الأوقاف المرصودة للصرف عليه وعلى طلابه وشيوخه، وإلى أنه كان يمتاز بكثرة عدد مدرسيه؛ فقد كان به في العصر العثماني نحو ستين أو سبعين مدرسا، يقومون بالتدريس للجم الغفير من الطلاب، وكان معظم هؤلاء الطلاب من القاهرة أو من مدن مصر المختلفة، وإلى جانبهم توجد أعداد أخرى من الطلاب الوافدين من البلاد الإسلامية الأخرى.
ونتيجة للشهرة والسمعة العلمية الطيبة التي كان يتمتع بها الأزهر أصبحت مساجد القاهرة ومدارسها الأخرى تعتبر وكأنها فروع له، حقيقة كان لهذه المساجد والمدارس أوقافها الخاصة، ولكن كانت القاعدة أن وظائف التدريس بها يتولاها شيوخ من الأزهر.
وإلى جانب هذا كانت توجد في مصر نحو ثماني عشرة أو عشرين مدينة من المدن الكبرى بها مدارس للتعليم العالي، وكان يختلف عددها في كل مدينة؛ من مدرسة واحدة إلى سبع مدارس، وفي هذه المدارس أيضا كان المدرسون عادة شيوخا تلقوا تعليمهم في الأزهر، وكانت هذه المدارس بدورها تمد الأزهر بمعظم طلابه، ويكفي أن نشير هنا - للدلالة على أهمية هذه الظاهرة - إلى أن الشيوخ الذين تولوا مشيخة الأزهر في القرن الثامن عشر لم يكن من بينهم واحد قاهري الأصل.
وكانت أكثر هذه المدارس نشاطا وأفضلها دراسة هي مدارس الإسكندرية ورشيد ودمياط ودسوق والمحلة والمنصورة وطنطا في الوجه البحري، وطهطا في الوجه القبلي.
أما في الشام فقد كان التعليم أقل مركزية، فإلى جانب المركزين الرئيسيين: حلب ودمشق كانت توجد مدارس إقليمية في مدن أخرى كثيرة، وخاصة في بيت المقدس ونابلس.
Page inconnue