الحرافيش
الحرافيش
تأليف
نجيب محفوظ
عاشور الناجي
الحكاية الأولى من ملحمة الحرافيش
1
في ظلمة الفجر العاشقة، في الممر العابر بين الموت والحياة، على مرأى من النجوم الساهرة، على مسمع من الأناشيد البهيجة الغامضة، طرحت مناجاة متجسدة للمعاناة والمسرات الموعودة لحارتنا.
2
مضى يتلمس طريقه بطرف عصاه الغليظة، مرشدته في ظلامه الأبدي. مولاي يعرف مواقعه بالرائحة وحساب الخطوات ودرجة وضوح الأناشيد والإلهام الباطني. بين مسكنه عند مشارف القرافة وبين الحارة يخوض أشق مرحلة في طريقه إلى الحسين وأعذبها. على غير المعهود تناهى إلى أذنيه الحادتين بكاء وليد. لعله دوي أكبر من حجمه في ساعة الفجر. الحق قد جذبه من سكرة الرؤى ونشوة الأناشيد. في هذه الساعة تهيم أمهات بأطفالهن! ها هو الصوت يشتد ويقترب، وعما قليل سيحاذيه تماما. وتنحنح كي لا يقع ارتطام في مشهد الفجر. وتساءل متى يكف الطفل عن البكاء ليرتاح قلبه ويعاود خشوعه. الآن صار البكاء ينخس جنبه الأيسر. تباعد يمنة حتى مست كتفه سور التكية، وتوقف قائلا: يا حرمة، أرضعي الطفل!
Page inconnue