263

واجتاحها الغضب فقالت له: سأتبعك في الحال.

37

زفت زهيرة إلى المعلم محمد أنور تاجر البطارخ. غضبت رئيفة ورمتها بالخيانة والخبث. دهشت الحارة وجعلت من الزيجة حديثها، فتردد كثيرا ذكر الحظ السعيد وليلة القدر وعجائب الحب. وحملت معها جلال فرحب به الرجل، وعد نفسه أسعد خلق الله.

وجدت زهيرة نفسها - لأول مرة - ست بيت. ها هي تملك شقة متعددة الغرف، ثمينة الأثاث، فيها الحمام والمطبخ، وبها خزان يملؤه السقاء كل يوم. وملكت أيضا الفساتين والملاءات القريشة وعرائس البراقع الذهبية. وباتت في عنقها قلادة، في أذنيها قرط، في ساعديها أساور ذهبية، في ساقها خلخال من فضة.

وحفلت سفرتها بالأطعمة اللذيذة، لا تكاد تقل نفاسة عن أطعمة دار عزيز أو دار رئيفة، وهي صاحبته كما هي طاهيته.

وما إن مضى الشهر الأول حتى قررت أن تحطم القضبان فهي تخرج لزيارة أمها أو جارة أو زيارة الحسين. ورآها الناس في زيها الجديد فهتفت أعماقهم سبحان الله الخلاق العظيم.

38

سعد محمد أنور بزهيرة سعادة تفوق الخيال. لم يقتصد في إعلان حبه وإعجابه وتعلقه الجنوني بها، وتدليله غير المحدود لها. ومن بادئ الأمر لم يرتح لخروجها وعرضها فتنتها الباهرة على الأعين. وأفضى إليها بملاحظاته في رقة بالغة ولكنه كدر صفوها، فسرعان ما تراجع وهو يبالغ في ملاطفتها. اكتشف أنه يتحمل أي مكروه إلا أن يغضبها أو يحرم من رضاها ومرحها.

وأدرك أنه ضعيف حيالها، مستهتر بالوصايا التقليدية، ولكنه استسلم لتيار لا قبل لقلبه بمقاومته. عرف نفسه تماما، عرف أنه أسير الحب ولعبته.

وثمة شعور عميق وضح له مثل صورة حيوان خرافي، وهو أنه لم يملك معبودته بعد، لعله لا يستطيع أن يملكها؟ لعلها تستعصي على أن تمتلك، إنه شعور مهزوم ذو وجه أصفر، يتعلل بالعلل، ويستنجد بالأوهام، ويغطي مرارته بالعطايا وحلو الكلام. إنه عبد الحب لا نده ولا سيده، وزنه في يده لا في قلبه أو جسده، تستوي لديه حمرة الشروق وحمرة الشفق. إذن فليتوار وراء الرقة والعذوبة ليحظى ببسمة الثغر الوردي، ونظرة العين الساجية، ورشاقة الجيد وهو يتمايل في رضا.

Page inconnue