ثم يقول: "واعلم أن الإيمان وإن قيل هو التصديق فالقلب يصدق بالحق والقول يصدق في القول، والعمل يصدق القول (١) والتكذيب بالقول مستلزم للتكذيب بالقلب، ورافع للتصديق الذي كان في القلب، إذ أعمال الجوارح يؤثر في القلب، كما أن أعمال القلب يؤثر في الجوارح، فإنما قام به كفر تعدى حكمه إلى الآخر" (٢) .
ونخلص من هذا إذن إلى أنه من زعم أنه معتقد اعتقادًا صحيحًا وهو يعمل عملًا من أعمال الكفر الأكبر، فهذا لا يصح أن يعتبر مسلمًا بأي حال من الأحوال بل هو كافر رغم زعمه صحة الاعتقاد، لأن اعتقاده القلبي يكون قد سقط ولا محالة (٣) لإتيانه ما يضاده مضادة كاملة وإن لم يصرح بذلك.
ومن قال إنه يعتبر مسلمًا لصحة اعتقاده فهو من المرجئة الذين يجعلون الإيمان هو مجرد عقد القلب دون الأعمال.
أما عن أعمال المعاصي كلها فالشأن فيها أن لا يكفر فاعلها إلا إن كان مستحلًا لها، وفي هذا المقام نُقلت أقوال الفقهاء كلهم عن أن مرتكب أي عمل - ويقصدون به من أعمال المعاصي لا الكفر - لا يكفر إلا إن كان مستحلًا له فهو إن كان معتقدًا للتحريم آتيًا للمعصية بدافع الشهوة فهذا هو المسلم العاصي خلافًا للخوارج الذين كفروا بالمعصية مطلقًا.
(١) المراد بالتكذيب بالقول هنا ما يدل على التكذيب، ولا يلزم التصريح بالقول بالتكذيب، فالتكذيب بالقول لا يستلزم القول بالتكذيب كأنه يقول: "أنا مكذب بالرسول مثلًا" فهذا كفره من نوع آخر، والشاهد على ذلك هو استشهاده بقصة المستهزئين بقولهم (إنما كنا نخوض ونلعب) وهم لم يقولوا قولًا فيه التصريح بالتكذيب بل كفرهم من باب سقوط عمل القلب من محبة الرسول ﷺ وتوقيره والانقياد لدينه فانتبه لهذا. (٢) "الصارم المسلول" لابن تيمية صـ٥٢٤. (٣) كما سبق أن ذكرنا أن كفره إما بسقوط قول القلب أي تصديقه فيكون كافرًا كفر تكذيب، أو سقوط عمل لب بسقوط التزامه التزام الطاعة وانقياده ومحبته وتوقيره.
1 / 63