La Vérité: un message contenant des réponses pour prouver la doctrine de Darwin sur l'origine et l'évolution
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Genres
53
ولكن هؤلاء الفلاسفة الثلاثة الحالمين - القانطين كما أسميهم - لم يقولوا لنا: متى يجب العمل بشريعتهم اليوم أو غدا؟ وهل كان يجب العمل بها منذ البدء؟ لأن الإنسان ليس واحدا في طبيعة هذا التفوق، ولا في علمه هو نفسه لتقديره، ولو صح العمل بها في كل العصور عن إرادة ومقدرة لغلب على الاجتماع منذ البدء التقهقر حتى يعود ويندمج ثانية في الحيوان الأعجم، ولبقي في صورة همجية هائلة لا عقل له ولا علم، كأنه الوحش الأكبر؛
54
لأن الإنسان إنما ابتدأ متوحشا جاهلا، وتفوقه حينئذ إنما كان بقوته البدنية وكثرته، بل ماذا كانت حالة الاجتماع لو عمل بها بعد ذلك أيضا، كما في عصور الحماسة في أوروبا يوم كانت صناعة الحرب أرقى الصناعات في نظر الناس، وصناعة الكتابة أحقرها، يوم كان الأمير لا يفخر إلا بالسيف، ويهزأ بالقلم، ويحتقر العلم؟ لو عمل بها حينئذ لعمل بناء على أن ذلك هو الأنسب، والأقوى كذلك، ولما كان قدر أن يعلم شيئا، أو يعمل شيئا مما نعتبره الأصلح اليوم.
على أن النظرية وإن كان يستند بها إلى مذهب دارون كليا، إلا أنها ناقصة في جزئياتها لاختلاف العوامل الداخلة فيه، مما يحصل الارتقاء فيه نتيجة عمياء، سواء كان ذلك في الطبيعة الصامتة، أو في الاجتماع العاقل، ولولا ذلك لما ارتقى الاجتماع، وعمل الارتقاء وإن كان الدافع فيه «الأنانية»، إلا أنها هي نفسها خاضعة لناموس التكافؤ والتكافل،
55
الذي بموجبه يتم الارتقاء قسرا، ولو بعد التذبذب الطويل، باعتبار أنه الأنسب والأصلح لمصلحة المجموع، لا لفئة من هذا المجموع، والاجتماع نفسه العاقل لا يستطيع التصرف بهذا النظام إلا في حدود معلومة مهما تعاظم شأنه، وقويت إرادته، إلى أن يصبح فيه ذلك بالعلم الكثير في حكم المطرد اضطرارا أيضا لا عن إرادة غالبة.
وهذا يجعل نظرية أمثال هؤلاء الفلاسفة حلما قاسيا لا حقيقة عملية، ويا ليته مع ذلك حلم لمصلحة الاجتماع، ولكنه حلم لو صح لسار به القهقري، حتى وهو في أرقى حالاته؛ لأن ارتقاء الإنسان ليس له حد، كما أن علمه ليس له حد أيضا حتى يقف عنده، ويقصر ارتقاءه وعلمه عليه دون الأخذ بسواه.
ولا يبقى عندك أدنى ريب في كل ما تقدم إذا علمت أن أوروبا نفسها لم تبتدئ تصطلح إلا منذ القرن الثامن عشر، حين بزغت شمس العلوم الطبيعية ضئيلة في أول الأمر، وأخذ ضياؤها ينتشر بين الناس، ويبدد غيوم تلك العلوم المظلمة، فتنبهت الأمم حينئذ، وأخذت تتغير في نوع أحكامها، تارة بالثورات، وتارة بالنشوء التحولي، تارة بالحروب وتارة بالسلم، ولكن الاجتماع لم يخط الخطوة الصائبة في سبيل ارتقائه الحقيقي حتى صار ارتقاؤه أسلم، إلا من بعد ما تأيد مذهب التحول الطبيعي،
56
Page inconnue