La Vérité: un message contenant des réponses pour prouver la doctrine de Darwin sur l'origine et l'évolution
الحقيقة: وهي رسالة تتضمن ردودا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء
Genres
وحينئذ يسقط الخلاف بين العلماء بغلبة الحيويين، وإن لم يستطع فليسمح لنا بتكرار قولنا: إن المادة الحية إنما تكيفت بالقوة الملازمة للمادة المركبة، هي «أي المادة الحية» منها باستحالة في نفس القوة، كما حصلت الاستحالة في نفس المادة.
ثانيا:
قلنا إن جميع الأعمال الحيوية مرجعها إلى القوى الطبيعية والكيماوية، وذكرنا لتأييد ذلك أهم الأعمال الحيوية كالتنفس والإفراز والتمثيل والهضم والامتصاص والدورة إلخ، فاعترض بأن ذلك لا يدفع الشبهات التي أوردها، والتي قال: إن جوابي له لم يكن فيه رد على واحدة منها، مع أن الرد عليها متحصل من مجمل الكلام لو تدبر، ويظهر من كلامه أنه لا ينكر بأن الأعمال الحيوية تتم بقوى كيماوية، وعلى مقتضى نواميس طبيعية، وإنما يشترط لها الاشتراك بمدبر آخر غريب مجرد عنها يسميه بالقوة الحيوية هي مصدر شبهاته، وسبب هذا الاختلاف العظيم بين الأجسام الحية والجماد.
وقد فاته أن المقابلة لكي لا تكون موهومة ينبغي ألا تقتصر على أكمل الأجسام الحية، بل أن تشتمل على أبسطها من مثل الكرية الحية التي تتألف من مجاميعها الأجسام الحية كافة، والتي فيها أصل كل الحياة؛ فهذه الأجسام البسيطة إذا قوبل بينها وبين الجماد لم يكن فرق، لا في المادة، ولا في القوة، ولا في المنشأ، ولا في البناء، ولا في النمو، ولا في الشكل.
أما في المادة فلأن العناصر المؤلفة منها الأجسام الحية هي نفس العناصر الموجودة في الأجسام غير الحية، وأما في القوة فلأن جميع الأعمال الحيوية بدون استثناء تتم بالقوى التي تتم بها جميع أعمال المادة، أي بالقوى الطبيعية الكيماوية، وأما في المنشأ فلأن الأجسام الحية تتولد كما تتولد الأجسام غير الحية، أي إن الحي يأتي من غير الحي، وشاهده المنير والأميب والموناس وغيرها من المتولدات البسيطة غير الآتية من جراثيم سابقة، بل من عناصر المادة بقوة في نفس المادة، ولا يعبأ بإنكار بعضهم لهذه الأجسام طالما يوجد من يؤيدها من ذوي المكانة من أهل العلم.
وعلى فرض صحة عدم العلم بتولد ذاتي - كما يزعم - فذلك لا يجعله ممتنعا، وأما في البناء فلأن بناء الأجسام الحية الأولية بسيط جدا، فهو بالبساطة كبناء البلورات، وأما في النمو فلأن البلورات تنمو على مقتضى نواميس محدودة، والأجسام الحية تنمو على مقتضى نواميس محدودة كذلك، والفرق بينها أن النمو في البلورات يتم بإضافة دقائق جديدة متشابهة إلى سطحها الظاهر، وفي الأجسام الحية بإضافة دقائق جديدة متشابهة إلى باطنها تتداخل فيها، وهو فرق ظاهري فقط ناتج عن اختلاف في كثافة مواد الأجسام الحية والأجسام غير الحية.
وأما في الشكل فلأن الحيوانات المشععة من جنس البروتيست ذات تكوين هندسي كالبلورات محدودة بسطوح وزوايا هندسية، والمونير والأميب والموناس وغيرها من العادمة الشكل التي لا تثبت على شكل واحد، بل تتغير في كل لحظة، هي شبيهة بالأجسام غير الحية التي ليس لها شكل معين كالحجارة غير المتبلورة والرواسب إلخ.
ففيما تقدم نقض لشبهاته، وإذا بقي هناك بعض احتمال فهو منقوض بما يأتي؛ وهو أن وحدة القوة الفاعلة في المادة لا تستلزم مشابهة المادة في سائر أحوالها؛ أي إذا كانت الجاذبية أصل الحياة - وهي موجودة في الجماد - فلا يلزم أن تكون أعمالها فيه كأعمالها في الجسم الحي، فكما أن المادة الموجودة في الجسم الحي هي نفس المادة الموجودة في الجماد، مع أن الفرق بينهما جسيم، فهكذا أيضا القوة الموجودة في الجسم الحي هي نفس القوة الموجودة في الجماد، ولو بعد الفرق بينهما، وإذا صحت استحالة المادة إلى ما يجعل الفرق بينها في الجسم الحي وبينها في الجماد كليا - وهي واحدة في كليهما - فلماذا لا تصح هذه الاستحالة نفسها في نفس القوة مع وحدة أصلها؟
والاستحالة في القوى أمر معلوم، فالجاذبية تستحيل إلى حركة، والحركة إلى حرارة، والحرارة إلى كهربائية، وهي إلى نور وبالعكس، مع أن الحركة هي غير الجاذبية، والجاذبية هي غير الكهربائية في الظاهر. ولو صح ما افترضه من لزوم مشابهة الجماد والحي - لو كانت الحياة جاذبية؛ لصح لنا أيضا بالقياس عليه أن نسأله: لماذا لا يتشابه الكحول والسكر والنشا والصمغ والألماس والفحم؟
ولماذا يتبلور الذهب على مثمنات هرمية، والبزموث والأنتيمون على مسدسات، واليود والكبريت على مربعات؟ ولماذا تتحد الأجسام بعضها ببعض على نسب مختلفة؟ ولماذا يكون بينها تفاوت في الألفة؟ فإن القوى الطبيعية والكيماوية واحدة في جميعها، وفي بعضها العناصر واحدة، والمقادير أيضا واحدة، فبم يجيبنا عن هذه الفروقات الكلية الواقعية مع وحدة القوى الطبيعية؟ نجيبه نحن أيضا عن الاختلافات التي بين الأجسام الحية والجماد، فيفهم حينئذ كيف أن الحياة هي الجاذبية أو نوع منها، اللهم إلا إذا قال لنا بقوى أخرى خاصة بكل مادة منها، وبكل حالة على حكم القوة الحيوية تتصل بها وتنفصل عنها، وتجعل هذا الفرق بينها. وذلك أقرب الوجوه للتخلص، إلا أنه يكون فيه منفردا حتى بين طائفته، ويترتب عليه أن يتجشم إثباته، ودون ذلك عقبات لا تقطع.
Page inconnue