La vérité: une très courte introduction
الحقيقة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
هل الزمن واقع؟
تقع أطلال دير هيسترباخ السيسترسي في سلسلة من التلال شرقي نهر الراين. تحكي الأساطير المحلية قصة راهب من القرن الخامس عشر خرج من الدير متجولا في الغابات المحيطة، ومتأملا في المزمور 90 الآية 4: «لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر، وكهزيع من الليل.» جلس الراهب في الغابة، فغلبه النعاس ولم يوقظه إلا صوت أجراس الدير تؤذن بحلول صلاة المساء، عند رجوعه، بدا له شكل الدير غريبا غير معتاد، وعندما دخل المصلى، لم يتعرف عليه أي من الرهبان. سألوه عن شخصيته، فأجاب أن اسمه أيفو، وأنه دخل الدير في العام نفسه الذي أصبح فيه إنجلبيرت فون بيرج مطران مدينة كولونيا، قال الإخوة: «ولكن هذا منذ أكثر من ثلاثمائة عام!» وفجأة شعر الراهب أنه يرزح تحت ثقل ثلاثمائة عام ملقاة على كاهله، وقبل أن يموت مباشرة، فهم أن الله قد أراه وجوده خارج نطاق الزمن، والآن قد أعاده داخله. •••
كما نرى في هذه الأسطورة، ربما يكون الزمن كما يتراءى لنا غير واقعي وفقا لتعريف نهاية العالم. تزعم الأسطورة أن زمننا، الزمن البشري، هو شيء بشري في الأساس؛ أي إنه لم يكن ليوجد لولا وجود البشر. وخلف هذا الزمن ثمة نوع آخر من الزمن - نوع واقعي ولكنه مختلف في طبيعته تمام الاختلاف - ألا وهو الحضور الأبدي لوجود الله الثابت.
شكل 4-1: أطلال دير هيسترباخ.
ثمة شك أكثر خطورة؛ ألا وهو الشك في أن الزمن ليس حتى سمة جوهرية غير قابلة للاختزال من سمات العالم (أي إنه ليس واقعا وفقا لتعريف السلحفاة)، متفش على نحو مدهش بين الفلاسفة والعلماء. أشار فيلسوف كامبريدج جون ماك تاجارت إليس، وهو أحد المؤيدين المعروفين لعدم واقعية الزمن، إلى أننا نميل للتفكير في الزمن بطريقتين مختلفتين جذريا؛ أولاهما: أن الزمن «ديناميكي»، ويتغير كل لحظة من أن يكون مستقبلا أولا، ثم يصبح حاضرا، ثم في النهاية - بمجرد أن ينتهي - يصبح ماضيا. أما وفق الطريقة الثانية؛ فيمكن النظر إلى السمات الزمنية باعتبارها سمات «غير متحركة»، عندما نفكر أن لحظة معينة قبل أو بعد لحظة أخرى، أو أن لحظتين متزامنتان. هذه العلاقات لا تتغير بتحرك اللحظات من المستقبل، عبر الحاضر، إلى الماضي؛ فالخامس من يناير يأتي دائما قبل السادس من يناير في أي عام، سواء أكان هذا العام في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل. أشار ماك تاجارت إلى الطريقة الأولى للتفكير في الزمن بوصفها النسق (أ)، وإلى الثانية بالنسق (ب). ويرى ماك تاجارت أن النسق (ب) ليس كافيا لفهم ماهية الزمن؛ فالزمن ينطوي على التغيير، وفي النسق (ب) لا شيء يتغير. فالعلاقات بين اللحظات: «قبل» و«بعد» و«في الوقت نفسه» كلها علاقات ثابتة طوال الوقت، مثل مجموعة متتابعة من الغرف، تقع إحداها تلو الأخرى، ولن تتغير أبدا. بالإضافة إلى ذلك، نحن حتما نعرف عن الزمن أكثر من المعلومات التي نعرفها عن النسق (ب). فأي كائن يعرف كل الحقائق النظرية عن النسق (ب) من شأنه أن يعرف العلاقات الزمنية بين كل اللحظات، بيد أنه لن يكون قادرا على أن يخبرك بتاريخ اليوم؛ وذلك لأنه عاجز عن تحديد موضع اللحظة الحاضرة؛ فمفهوم الحاضر لا يشكل جزءا من مفردات النسق (ب) النظري، ولا يوجد إلا في النسق (أ). ولكن النسق (أ)، وفقا لما قاله ماك تاجارت، له مشاكله الخاصة.
يستحيل أن نصف حدثا بأنه ماض وحاضر في الوقت نفسه، أو بأنه حاضر ومستقبل، أو بأنه ماض ومستقبل. إلا أن الزمن المفهوم وفقا للنسق (أ) يتضمن أنه بمرور الوقت يحمل كل حدث خواص الماضي والحاضر والمستقبل؛ إذن يمكننا القول إن النسق (أ) متناقض.
يبدو حل هذه المشكلة بسيطا؛ الإشارة إلى أنه لا يوجد حدث يحمل سمة الماضي أو الحاضر أو المستقبل في الوقت نفسه، ولكنه يحملها متتابعة. فأي حدث يكون في البداية مستقبلا، ثم حاضرا، وبعد ذلك يصبح ماضيا، ولكن ليس من الواضح تماما كيفية التعبير عن هذه الإجابة المقنعة بدهيا بالتفصيل؛ خذ حدثا محددا، مثل عيد ميلاد ماك تاجارت (دعنا نطلق عليه م)، يبدو أننا نستطيع أن ندحض التناقض بقول إن م حدث مستقبلي في عام 1850 وماض في عام 1900. ولكن أجزاء حديث الزمن المستخدمة هنا («مستقبلي في عام 1850» و«ماض في عام 1900») لم تعد تعبيرات النسق (أ) النظري؛ لأنها لا تتغير بتقدم الزمن. وما كان مستقبلا في عام 1850 سيظل مستقبلا، بغض النظر عن تقدم الزمن وتطوره. إن تفادي التناقض بإعادة صياغة أوصاف النسق (أ) النظري الديناميكي لتصبح متوافقة مع النسق (ب) لن يفيدنا في الحقيقة؛ لأننا رأينا بالفعل أن وصف النسق (ب) النظري ليس مرضيا.
ثمة فكرة أخرى وهي التخلص من التناقض عن طريق تحديد أوصاف النسق (أ) باستخدام المزيد من أوصاف النسق (أ). فيمكننا القول مثلا إن م ليس له خواص زمنية متناقضة؛ لأن:
م ماض «في الحاضر»،
م حاضر «في الماضي»،
Page inconnue