La valise bleue
الحقيبة الزرقاء: رواية عصرية أدبية غرامية
Genres
لم ينم إدورد في تلك الليلة، وكيف ينام وعلى صدره همان؟ الهم الأول الخصام الذي نشأ بينه وبين خاله، والهم الثاني تقصيره عن إدراك المقام الذي يستحق فيه يد لويزا.
شعر منذ ذلك الحين أنه في بيت خاله وأن خاله غير أبيه، ورأى أن ثروة خاله لأليس فلا يمد يدا لأقل نصيب منها البتة، وإن كان خاله قد وعد أن يمنحه نصفها، بل شعر أنه أصبح ضيفا عند خاله، ما دام يرفض نصحه ويخيب آماله، بل صار يرى نفسه ثقيلا هناك، بل صار يرى أن فضل خاله عليه أثقل من رضوى على صدره. فصارت نفسه تحدثه أن ينفصل عنه ويعيش لنفسه. ماذا يشتغل؟ ليس في يده مال ولا تعلم صناعة، لم يخطر على باله من قبل أن يعمل عملا سوى أن يحل محل خاله في: إدارة معمله ومراقبة أملاكه تدريجا، فهل يفعل ذلك؟ أجاب نفسه: «لا، إن كنت أؤثر الانفصال عن خالي، فيجب أن أستقل بكل شيء وبالأحرى في العمل، إن جئت أشتغل في معمله بقيت في منزله وتحت فضله.»
ردد في فكره مواهبه ومعارفه ليعلم ماهية أهليته، فلم يجد إلا الشعر من المواهب والقلم من المهن، فخطر له أن يشتغل في الصحافة، في تلك الليلة كان هذا الفكر حبة خردل، وفي تلك الليلة نفسها أصبح شجرة. رأى أن مجال الصحافة رحيب أمامه، فقدر لنفسه ارتقاء سريعا فيها، ثم طمع بعد ذلك الارتقاء أن ينتقل من الصحافة إلى السياسة، وقدر لنفسه ارتقاء باهرا في هذه أيضا، ثم طمع أن يتربع في دست الوزارة، وينال لقب لورد ويستمنح يد لويزا. تنهد إدورد عند هذه النتيجة، وقال حتى كاد يسمع من خارج غرفته: «آه لو كان لي تاج إنكلترا لوضعته بين يدي اللايدي بنتن لتقدم لي فيه لويزا.»
عند ذلك انتبه أنه يبني قصورا في الهواء، فقال في نفسه: دعني من الأماني الموهومة فلأفتكر بالآمال المفعولة. ماذا يضر أن أطلب يد لويزا من والديها؟ فقد لا يستحيل أن ترضى اللايدي بنتن إذا رأت أن لويزا لا ترضى سواي بعلا، وروبرت صديقي يرضى من غير بد، واللورد بنتن يرضى على الأرجح؛ لأني فهمت من فحوى أحاديثه العديدة أن قيمة الرجل عنده بجوهره الشخصي لا بأحواله الخارجية. ولا حظت أنه يودني جدا ويضعني في مكانة سامية، بل اللايدي بنتن نفسها تعتبرني كذلك. ألا يحتمل أن جبن لويزا وضعف قلبها وخوفها وحياءها كل هذه الأمور توهمها أن الأمر مستحيل؟ أولا يمكن أن هيبة أمها الجليلة توهمها ذلك؟ كم من كبراء العامة الذين صاهروا الشرفاء في هذا العصر!
ثم عاد فافتكر في نفسه أن ذلك لا يكون بلا رضى خاله ووراثة نصف ماله؛ فتنهد وفكر طويلا وقال: «لا بأس. خالي هو أبي الحقيقي، وهو حنون علي جدا ويحبني جدا، فإذا نلت يد لويزا يسر بلا مشاحة كما لو طلب لورد يد أليس ابنته.» وعند ذلك خطر له أنه إذا صار صهرا لآل بنتن، فلا يستحيل عليه أن يجد خاطبا لوردا لأليس، فسر لحل العقدة الوهمي على هذا الأسلوب، وكثيرا ما يصور الغرور الأوهام حقائق، وظل هذا الرأي ينمو في ضميره والآمال تقويه حتى الصباح، فصمم أن يكتب للايدي واللورد بنتن بهذا الشأن.
جلس إدورد إلى مكتبه وجعل يكتب ثم يشطب، حتى إذا امتلأت الصحيفة كلاما مشطوبا جمعها في كفه وعصرها ورماها في سلة الأوراق المنفية. وعلى هذا النحو رمى نحو ثماني صحائف، ولما يتوفق إلى صيغة طلب موافقة، خانه القلم وقتها وأغفلته آلهة الشعر، وغاب من ذهنه منطقه، بل ضاع كل علمه فلم يعرف ماذا يكتب. أخيرا قال: «المقام ليس مقام فلسفة، يكفي أن أوضح مطلبي بأبسط عبارة.» فكتب هكذا:
سيدي اللايدي واللورد بنتن الأفخمين
درستموني في كل مدة تعارفنا وعرفتم حقيقتي جيدا، وقد ظهر من مجاملتكم لي ورضائكم عن دالتي عليكم أني نلت استحسانكم؛ وذلك جرأني على أن أسألكم: أيمكنني أن أرجو منكما يد مس لويزا ابنتكم؟ أتشرف بأن أخبركم أن ثروة خالي المستر جوزف هوكر الذي كان ولن يزال أبا لي تبلغ نحو مليون جنيه، وقد خصص لي نصفها، والنصف الآخر لابنته الوحيدة، واقبلوا فائق احترامي.
إدورد سميث
ثم طوى الرسالة وغلفها ونزل بنفسه، ورماها في صندوق البريد ولم يعد، دخل المستر هوكر إلى غرفته، فرأى المكتب مختلط المواد، فعلم أن إدورد كان منشغلا كما توقع؛ لأنه لاحظ قلقه في اليوم الفائت. التفت إلى سلة الأوراق المنفية، فرأى ورقا كثيرا مرميا، فتناول الأوراق واحدة واحدة، وعلم ما كان إدورد يحاول أن يكتبه.
Page inconnue