Les vérités de l'Islam et les faussetés de ses adversaires
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
Genres
والديانة الإسرائيلية تؤمن - على ما هو معلوم - باختيار الإله لشعب يؤثره على سائر الشعوب، وذرية يؤثرها على سائر الذراري، وأناس يؤثرهم على سائر الناس قبل خروجهم من بطون الأمهات؛ فبورك يعقوب وحاق السخط الإلهي بعيسوا وهما في البطن جنينان توءمان، وأصابت البركة والسخط بينهما إلى أعقاب الأعقاب: «ومن أحشائك يفترق شعبان، شعب يقوى على شعب وكبير يستعبده صغير ...» ولم يبلغ القدر عند بني إسرائيل أن يكون نظاما كونيا يجري عليه قضاء الله مجرى النواميس والشرائع الأخلاقية، بل كان «يهوا» يجري فيه على حكم ثم يندم عليه ويبدله تارة بعد تارة على حسب الحالة التي تطرأ بغير حسبان. قال النبي أرميا يتحدث باسم يهوا: «قم انزل إلى بيت الفخاري وهناك اسمع كلامي. فنزلت إلى بيت الفخاري إذا هو يصنع عملا على الدولاب، ففسد الوعاء الذي كان يصنعه من الطين بيد الفخاري فعاد وعمله وعاء آخر كما حسن في عيني الفخاري أن يصنعه، فعاد إلي كلام الرب قائلا: أما أستطيع أن أصنع لكم كهذا بيدي يا بيت إسرائيل؟ يقول الرب: هو ذا كالطين بين الفخار أنتم كهذا بيدي يا بيت إسرائيل، وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع والهدم والإهلاك فترجع تلك الأمة التي تكلمت عليها عن شرها، فأندم على الشر الذي قصدت أن أصنع بها، وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس فتفعل الشر في عيني فلا تسمع لصوتي فأندم على الخير الذي قلت إني أحسن إليها به.»
وقد ذكر في سفر الخروج أن يهوا وصف نفسه فقال:
أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي، وأصنع إحسانا إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.
ثم جاءت المسيحية بعد الإسرائيلية فربطت بين خطيئة آدم وقضاء الموت عليه وعلى أبنائه، ومن لم يربط بين الخطيئة وقضاء الموت من المتأخرين جعل الهلاك الروحي قضاء محتوما بديلا من موت الجسد. وأقدم ما جاء من أقوال الرسل المسيحيين عن قضاء الموت في الإنسان كلام بولس الرسول من رسالته إلى أهل روما؛ فإنه في هذه الرسالة يقرر أن الأكل من الشجرة هو أصل الشر في العالم الإنساني، وكفارته الموت الذي يصيب الجسد، ولا تكون كفارة الروح إلا بفداء السيد المسيح، وقد عاد بولس إلى مثل الفخار والخزف فقال: «ماذا نقول؟ ألعل عند الله ظلما؟ حاشا لله؛ لأنه يقول لموسى: ارحم من أرحم وارأف بمن أرأف. فليس الأمر لمن يشاء أو لمن يسعى، بل الله الذي يرحم ... ومن أنت أيها الإنسان حتى تحارب الله؟ ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا؟ أليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان؟ فماذا إن كان الله - وهو يريد أن يظهر غضبه ويبين قوته - احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مهيأة للهلاك، ولكي يبين غنى مجده عمل آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد ...» •••
وتتباعد آراء العلم الطبيعي والفلسفة النظرية في هذه المسألة كما تباعدت عقائد الأديان وأقوال المتدينين فيها، وزبدة آراء العلماء الطبيعيين إلى أوائل القرن العشرين أن قوانين المادة تحكم كل شيء في عالم الجسد؛ فهي ضرورات حتمية لا موضع فيها للحرية الإنسانية إلا أن تجري في مجرى تلك القوانين، ثم جدت في القرن العشرين نظريات تشكك في هذه الحتمية المقيدة بالنواميس والقوانين يقول بها كبار العلماء من طبقة نيلز بوهر الدانماركي صاحب جائزة نوبل للعلوم عن سنة 1922، وهيزنبرج الألماني صاحب جائزة نوبل للعلوم سنة 1932. والأول يقرر أن الكهارب لا تتبع في انتقالها قانونا مطردا تجري عليه في الذرة وهي عنصر المادة، والثاني يقرر أن التجربة العلمية لا تأتي في تكرارها بنتيجة واحدة، وأن التجارب جميعا تؤيد اللاحتمية ولا تؤيد الحتمية التي اصطلح عليها جمهرة العلماء الطبيعيين إلى أوائل القرن العشرين، ويرد على هيزنبرج علماء آخرون فيقولون: إن التجارب تختلف؛ لأن آلات الضبط العلمي لا تحيط بجميع العوامل التي تتكرر في كل تجربة، وإننا إذا تحققنا من وحدة العوامل في كل تجربة متكررة، فالنتيجة لا شك واحدة.
ولا تحصى مذاهب الفلاسفة وتفريعاتهم على هذه المذاهب في مسألة القدر والحرية والجبرية والحتمية واللاحتمية، إلا أننا نستصفي منها زبدة جامعة لمذهب الواقعيين ومذهب الروحيين أو المثاليين؛ فزبدة مذهب الواقعيين أن الإنسان يفعل ما يريد، ولكنه لا يريد ما يريد، وهم يعنون بذلك أن الإرادة تختار، ولكن هذه الإرادة نفسها مقيدة بتكوين الإنسان الذي تشترك فيه الوراثة وبنية الجسم وضرورات البيئة، فلا يخلق الإنسان إرادته، بل تولد فيه هذه الإرادة وتنشأ معه بغير اختياره؛ فيفعل كما يريد، ولكنه لا يريد ما يريد.
وزبدة مذهب الروحيين أو المثاليين أن الإنسان جسد وروح؛ فجسده خاضع لأحكام المادة كسائر الأجساد، وروحه طليق مختار يخضع لجسده في أمور ويخضع هو جسده في أمور، وهو المسئول إذا انقاد لدواعي جسده ولم يجهد للانتفاع بحريته في مقاومة تلك الدواعي وموازنتها بما يصلحها عند فسادها ويقومها عند اعوجاجها. •••
وجميع هذه المذاهب لا تحل مشكلة القدر على الوجه الحاسم الذي تتفق عليه العقول وترتاح إليه الضمائر، وليس فيها - بتفصيلاتها - عقيدة تفضل عقيدة المسلم أو تقترب من حل لمسألة القدر لم تقترب منه تلك العقيدة.
وقبل أن نجمل أقوال الثقات في تفسير آيات القرآن الكريم نعود إلى مشكلة الشر التي قلنا في فاتحة هذا الكتاب إنها مشكلة شعورية، وليست مسألة عقلية في جوهرها، ومشكلة القدر هي مشكلة الشر بعينها معادة في عبارات أخرى؛ إذ هي مشكلة المحاسبة على الشر الذي يفعله الإنسان ويريد أن يعلم مبلغ نصيبه من التبعة في احتمال جزائه.
وليس في الأمر مشكلة عقلية؛ لأن العقل لا يستطيع - مع الإيمان بوجود الله - أن ينكر قدرته وحكمته وعدله في إجراء حكمته وقدرته.
Page inconnue