فخجلت من فضولي، وضحكت أداري خجلي، ولم تكن عواطفي تكف عن الطغيان، فقلت: ألا يحسن بنا أن نبحث عن مكان صالح للجلوس؟
فهزت رأسها وقالت بعناد ظريف: كلا، أنا أفضل المشي لأني أريد أن أنحف.
فنظرت إلى جسمها البض الممتلئ نظرة معذب، ووجدت في كلامها فرصة ذهبية لا ينبغي أن تفلت مني، فقلت بإعجاب: وما جدوي هذا التعب؟ .. إن جسمك كامل الفتنة.
فألقت علي نظرة جمعت بين الانتقاد والدلال، وقالت وهي تشير إلى جسمها: هذه موضة قديمة.
فقلت بحماس: هذا جميل وكفى .. وما عدا ذلك فلا وزن له عندي. - وعند الناس؟ - نعم وعند الناس.
كدت أنسى هذا؛ إذ خيل إلي الوهم الساحر أني صاحب الشأن الأوحد، وعلى أنها قالت ما قالت وهي تبتسم إلي بإغراء، فاستخفني الوهم مرة أخرى، واشتد بي الطمع، فقلت: أنت لم تتغيري في هذه الفترة الطويلة، وكأن التي أراها الآن هي السيدة الجميلة التي أشرقت بغتة في بيتنا بمصر الجديدة منذ عشرة أعوام، وغربت بغتة كذلك فتركتني أحلم بها أياما وشهورا.
فنظرت إلي بخبث وقالت: يا لك من ماكر!
فقلت ضاحكا: ما وجه الغرابة في ذلك؟ .. من يرى هذا الحسن ولا يتمناه؟ - الظاهر أني سأجد من الواجب أن أفارقك لأنجو من أمانيك. - حاشا أن تفعلي .. بل حاشاي أن أتركك تفعلين. إن فوزي بلقائك بعد هذا الغياب الطويل نعمة من البطر الشرير الكفر بها. - إنك تحدثني كما لو كنا عاشقين افترقا ثم تلاقيا. - هذا شعورك. - هو أدنى إلى الوهم. - أما من ناحيتي فلا. - وأما من ناحيتي فنعم.
ولكنها قالت ذلك بدلال ورقة، وهي تبتسم ابتسامة عذبة تسيل إغراء. ولم أدهش لما تبدي من استسلام؛ لأن حالتها في الواقع كانت تدعو إلى الريبة، وتذكرت ما قال صديقي الدكتور شلبي فقلت: إني أعجب لماذا تقيمين وحدك في هذا الفندق! - أراك تعود إلى التحقيق. - كلا، لا داعي للتحقيق، ولكني علمت أن المقيمين بالطابق الثاني يضايقونك. - أبدا، لعلهم يضايقونك أنت.
فتنهدت وتعمدت أن أسمعها تنهدي، ثم قلت: فليكن .. ألا ترين من الحكمة أن نترك فندق ريش؟ - نترك؟! - نعم .. أنا أعني ما أقول، وأعرف فندقا هادئا في لوران، فما رأيك؟
Page inconnue