Hamayan Zad vers la demeure de l'au-delà
هميان الزاد إلى دار المعاد
Genres
أى بعد خلق السماوات، لأن المتأخر عن خلق السماوات إنما هو دحوها، أى يبسطها، فالله - جل وعلا - خلق الأرض مكورة، ثم خلق سبع سماوات، ثم بسط الأرض، وإن قلت لا يلائم بحسب العادة وما يظهر لنا أن يخلق لنا ما فى الأرض وهى كرة. قلت هو منكر ممكن لعظمها فكوريتها لا تمنع من تمكن الأشياء عليها، ويمكن عود الإشارة فى قوله { بعد ذلك } على وصف السماء، وهو تسويتها سبع سماوات، فجرم الأرض مقدم على جرم السماء، ووصف السماء وهو تسويتها سبعا، مقدم على وصف الأرض وهو بسطها، وهذا يناسبه أن تجعل السماء فى قوله تعالى { ثم استوى إلى السمآء } فى فضله جسما علويا. موجودا بعد خلق الأرض فى غلظة سبع سماوات، دحا الأرض بعد فتقه سبعا.
وهذا ما ظهر لى بعد استفراغ الوسع من الأبحاث، وممن ذكر تقدم خلق الأرض على خلق السماوات السبكى. وعن الحسن أنه كان بدء خلق الأرض قبل أن يبسطها، كانت فى موضع واحد، موضع بيت المقدس، ثم خلق السماوات، ثم بسط الأرض فقال لها انبسطى أنت كذا، وانبسطى أنت كذا. والمشهور أن الدحو من تحت الكعبة. قال عطاء بلغنى أن الأرض دحيت من تحت الكعبة، ولا يغايره قول بعض من مكة دحيت الأرض لأن الكعبة فى مكة. وعن مجاهد كان البيت قبل الأرض بألفى سنة، ومدت الأرض من تحته. وعن ابن عباس فى قوله تعالى { وهو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا.. } إلخ. وقوله عز وجل
ءأنتم أشد خلقا أم السماء..
إلخ. أنه خلق الأرض، ثم خلق السماوات، ثم عاد فدحى الأرض، وخلق جبالها وأنهارها وأشجارها ومرعاها. ثم استوى إلى السماء أى قصدها بالفتق سماوات سبعا، وذكر السعد أن الأرض خلقت وبسطت وخلق ما فيها، ثم خلق السماء. وروى مقاتل أن السماء مخلوقة قبل الأرض، وعلى روايته نجعل ثم بمعنى الواو وللترتيب الذكرى بلا تراخ أو للترتيب والتراخى فى العظم والفضل، لا فى الإيجاد. وإن قلت كيف صح للسعد أن يخبر ببسط الأرض قبل خلق السماء مع قوله تعالى
والأرض بعد ذلك دحاها
قلت كأنه جعل البعدية بعدية إخبار. وذكرك ثم، فإنه يقال أعجبنى ما فعلت اليوم، ثم ما فعلت أمس أشد إعجابا لى. كقولك فى غير أداة ترتيب ألم أعطك؟ ألم أرفع قدرك؟ ألم أدفع عنك؟ تقول هذا ولو كان ما أخرت ذكره فى هذا الكلام مقدما فى الوجود، أو كأنه جعل قوله { دحاها } مستأنفا متصلا بقوله { أخرج } غير عامل فى بعد. ويقدر لبعد عاملا يدل عليه، أنتم أشد خلقا، أى تدبروا أمر الأرض واكتسبوا معرفة حالها تنظروا هل أنتم أشد أم هى أيضا؟ وفى هذا تكلف. والتحقيق ماذكرته لك أولا من أن الأرض قبل السماء، وبسط الأرض بعد تسوية السماء جميعا بين الآيات. وبذلك قال الحسن كما مرت روايته، ذكرها الشيخ هود، وذكر الزمخشرى عنه أن الله - جل وعلا - خلق الأرض فى موضع بيت المقدس كهيئة الفهر عليها دخان ملتزق ثم أصعد الدخان وخلق منه السماوات وأمسك الفهر فى موضعه وبسط منه الأرض فذلك قوله
كانتا رتقا
وهو الالتزاق والله أعلم. وسئل السبكى هل كانت الخيل قبل آدم أم خلقت بعده؟.. وهل خلق الذكور قبل الإناث أو الإناث، قبل الذكور؟ وهل العربيات قبل البراذين أو البراذين قبل العربيات؟ وهل ورد فى الحديث أو الأثر أو السير أو الأخبار ما يدل على ذلك؟ فأجاب بأن تختار أن خلق الخيل كان قبل آدم عليه السلام بيومين أو نحوهما، وأن خلق الذكور قبل الإناث، وأن العربيات قبل البراذين.
أما قولنا أن خلقها كان قبل آدم فالآيات فى القرآن سنذكرها آية آية، ونذكر وجه الاستدلال. والمعنى فيه وهو أن الرجل الكبير يهيأ له ما يحتاج إليه قبل قدومه. وقال تعالى { خلق لكم ما فى الأرض جميعا } فالأرض وكل ما فيها مخلوق لآدم وذريته إكراما لهم. ومن كمال إكرامهم وجودها قبلهم فجميع ذلك مقدم على خلقه. ثم كان خلق آدم بعد ذلك آخر الخلق، لأنه وذريته أشرف الخلق، ألا ترى أن النبى - صلى الله عليه وسلم أشرف من الجميع؟ ولذلك كان آخر الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - وتمام كمال الوجود، وما سوى آدم مما هيئ له حيوان وجماد. والحيوان أشرف من الجماد، والخيل من أشرف الحيوان غير الآدمى فكيف يؤخر خلقها عنه؟ فهذه الحكمة تقتضى تقديم خلقها مع غيرها من المنافع، وإنما قلنا بيومين أو نحوهما، لحديث ورد فيه، يتضمن أن بث الدواب يوم الخميس، والحديث فى الصحيح لكن فيه كلام. ولا شك أن خلق آدم عليه السلام كان يوم الجمعة. والحديث المذكور يتضمن أنه بعد العصر، فلذلك قلنا إنه بيومين أو نحوهما على التقريب، وأما التقدم فلا يتردد فيه. والمعنى فيه قد ذكرناه، وأما الآيات التى تدل له فمنها قوله تعالى { خلق لكم ما فى الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات } ووجه الاستدلال أن الآية الكريمة اقتضت خلق ما فى الأرض جميعا، قبل تسوية الرحمن السماء، ومن جملة ما فى الأرض الخيل، فالخيل مخلوقة قبل تسوية السماء عملا بالآية ودلالة على الترتيب، وتسوية السماء قبل خلق آدم عليه السلام، لأن تسوية السماء كانت فى جملة الأيام الستة لقوله تعالى
رفع سمكها فسواها
Page inconnue