Hamayan Zad vers la demeure de l'au-delà
هميان الزاد إلى دار المعاد
Genres
[2.29]
{ هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا } هذا بيان للنعمة الأخرى مرتبة على قوله { فأحياكم } أى خلق لهم منافع الأرض ينتفعون بها، ويعتبرون بها. حياتهم الدنيا، واللام للتعليل أى خلق لأجلكم ما فى الأرض جميعا تنتفعون به فى الدنيا والآخرة. ولم يخلق فيها شيئا لغير ذلك. فبعض ما فى الأرض ينتفعون به نفسه لا بد أنكم ودنياكم بلا واسطة، كالثمرة والبطيخ والدلاع والعسل والسكر ونحو ذلك، مما يؤكل أو يتداوى مستقلا وبعض ما فيها تنتفعون به بواسطة غيره كالدباء وأنواع القرع، فإن ذلك ينتفع به بواسطة الطبخ، وكالأدوية المركبة كالجلجلان المسحوق المخلوط بدهن ورد، فإنه نافع للصداع الحاصل من حر الشمس، وكالبحر ينتفع به على السفينة فى تقريب المسافة البعيدة، ووصول أرض لا توصل بالبحر، كجزيرة الأندلس وجربة، وكل ما ينتفع به للدنيا ينتفع به للدين، استدلالا به على وجود الصانع سبحانه وتعالى، وكمال قدرته ويكتسب معرفة لذات الآخرة كما يميل بنعيم الآخرة بنعم الدنيا وينتفع بالدين بكل مخلوق يستدل به على ذلك الجبال والبحار وذات الإنسان وغيره، ويكتسب معرفة عذاب الآخرة من الدنيا، وجمع ما سوى الله مخلوق للتوصل به إلى الله - جل وعلا - لا لذاته، وإن قلت الآية تناولت ما فى الأرض دون الأرض نفسها، قلت نعم فى الظاهر، لكن منافع الأرض فى الحقيقة متناولة فى الآية لأن منافعها الدنيوية والأخروية من جملة ما فيها، فهى متضمنة لها مشتملة عليها، وأيضا تفهم الأرض فى الآية من باب أولى لظهورها وعظمها جرما ونفعا، ولك وجه ثالث هو أن يراد بالأرض الجهة المستفلة بالنسبة للسماء، لا خصوص هذا لجسم السفلى، كما يراد بالسماء تارة الجهة العلوية لا خصوص ذلك الجسم العلوى، فتشتمل الآية باللفظ على هذه الأرض وما فيها، كأنه قيل خلق لكم ما تحت السماء من هذه الغبراء وما فيها. وتفيدنا الآية أن الأرض وما فيها كله مباحان للإنسان وحلال لنا أكلا وشربا ولبسا وركوبا ومداواة وغير ذلك، إلا ما قام عليه دليل، ولا يخفى أن المراد مجموع ما فى الأرض مخلوق مجموع بنى آدم وبعض ما فيها اشتركوا فيه، وبعض اختص به بعض، كالحرير والذهب للمرأة. وجميعا حال من ما مؤكدة له. كما قال ابن هشام لا توكيد لما محذوف الرابط أى جميعه، كما تقول كله، خلافا لابن مالك وابن عقيل. { ثم استوى إلى السمآء } بعد خلق ما فى الأرض. ومعنى استوائه تعالى إلى السماء قصده إليها وتوجيه الإرادة إليها بأن يخلقها. يقال استوى زيد إلى كذا كالسهم المرسل إذا قصده من غير أن يميل إلى غيره. فكذا خلق ما فى الأرض وخلق بعده السماوات بلا خلق شىء بين خلقهن، وخلق ما فى الأرض.
ووزن استوى افتعل بمعنى تكلف السواء وهو أصل معناه. وأطلق فى اللغة على الاعتدال تسوية وضع الأجزاء، تقول استوى زيد على الأرض أى جلس عليها جلوسا مستوية إليه أعضاؤه التى جلس بها معتدلا. ولا يصح حمل الآية على ذلك، لأنه من خواص الجسم والله - جل وعلا - ليس جسما ولا عرضا. ولو كانت الآية على هذا المعنى لقال ثم استوى فى السماء أو على السماء، لا استوى إلى السماء، لكن الله - جل وعلا - لا يوصف بهذا المعنى. ولو قال فى السماء أو على السماء لكان ما ولا بالقهر والغلبة. ويجوز تأويل الآية بهما، لكن تأويلها بالقصد والإرادة أولى، لأنه أقرب إلى أصل الاستواء وهو تكلف السواء، ولتعديته بإلى وللتسوية المرتبة عيه بالفاء. وعن ابن عباس استوى إلى السماء ارتفع إليها، وفى رواية صعد. والمراد ارتفاع أمره أو صعد أمره أو ارتفع إليها، وصعد بقصد وإرادة. قال الطبرى على أمره وقدرته وسلطانه. وقال ابن كيسان قصد إلى السماء أى بخلقه واختراعه، وذلك لأنه تعالى منزه عن الانتفال والحلول. والمراد بالسماء الجهة العليا التى فيها السماوات، لأنه ليس فيها حين الاستواء إليها سماء ولا سماوات، فمعنى قوله { فسواهن سبع سماوات } خلق حينئذ سبع السماوات التى تعلمون الآن فتسويتهن خلقهن مستويات الكيف والجهة، والملاسة والغلظ والقوة، وعدم الفطور وكون كل فى سمة الأخرى، ولو تفاوتن كبرا وجسما، بعض أكبر من بعض، بعض من فضة وبعض من ذهب، وغير ذلك، فالهاء للسماوات التى هن هؤلاء الهياكل العلوية، المدلول عليهن بلفظ السماء، بمعنى الجهة العليا، وذلك شبيه بالاستخدام البديعى. ويجوز أن يراد بالسماء الجهات العلوية، فيكون من الاستخدام، ويجوز أن يراد بالسماء حقيقة ذلك الهيكل العلوى المشرف، فتصدق على السبع من غير أن تكون موجودة حال الاستواء إليها، بل المعنى استوى إلى حقيقة السماء بإرادة خلقها، فخلقها سبعا، فرجع الهاء فى سواهن إلى ما دلت عليه الحقيقة من إفراد. أو أراد بالسماء جنس السماوات، فهى بمنزلة الجمع. كأنه قيل ثم استوى بالقصد إلى السماوات بإرادة خلقهن فخلقهن سبعا، والجمعية فى السماء على هذه الأوجه المذكورة فيها معنى الجمعية للسماء، إنما هى من أل، ولا يمنع من ذلك المذكور من عود ضمير الجماعة عدم وجود السماء حينئذ، لأن الكلام استخدام أو شبيه به، ولو ضعف السعد ذلك بتلويح، وليس كما قال لأن لهذا وجها يدعو إليه أن الأصل فى الضمير أن يعود إلى متقدم، وقيل إن السماء جمع سماءة أو سماوة وليس كذلك عندى. ولك أن تقول الهاء عائدة إلى مبهم مفسر بقوله سبع. كقولك نعم رجلا زيد أو قولك ربه فتى، وقول أبى بكر من النظر
* هو الدهر يأسو *
إذا جعلنا الدهر بدلا من هو أو بيانا، ولم نجعل هو ضمير شان، والدهر مبتدأ وقول القائل
* هى الدنيا تقول بملء فيها *
على حد ما قلت وفى عود الهاء إلى مبهم مفسرا بما بعدها، تفخيم وتشويق وتمكين فى نفس السامع، حاصلات من الإبهام المعقب بتفسير. فهذا الوجه أولى لهؤلاء الحاصلات، ولا يرد على وجه الجنسية فى السماء، وعود ضمير الجماعة كما أورده السعد، لأنا لا نسلم أنها لا تكفى. وقول العرب الدينار الصفر، والدرهم البيض. فنعتوا المفرد بالجمع لأنه جنسه. ولقوله تعالى
والعصر إن الإنسان لفى خسر إلا الذين آمنوا
فاستثنى الجماعة من المفرد لأنه جنس. وسبع حال من الهاء على الأوجه السابقة غير عود الهاء إلى مبهم أو بدل بيان على عودها إلى مبهم بناء على جواز كون المعطوف عليه عطف بيان ضميرا، أو جواز بيان النكرة بالنكرة، والمعرفة بالنكرة، والنكرة بالمعرفة، كالمعرفة بالمعرفة، والأفلاك على ما يذكره أهل الأرصاد تسعة، فإن زعموا أن السماوات هى الأفلاك كذبهم القرآن. لأن السماوات سبع وإن زعموا أن الأفلاك غير السماوات فلا دليل صحيح لهم، وإن زعموا أن السماوات أفلاك سبع، والعرش ثامن، والكرسى تاسع، ما صدقوا ولم يثبت فى القرآن ولا فى السنة ولا فى الإجماع دليل على خلاف هذا.. والله أعلم. والآية دليل على أن الأرض وما فيها مخلوقان قبل السماء أما على أن المراد بالأرض فى الآية جهتها فواضح كما مر، وأما على أن المراد بها هذا الجسم، فلأن خلق ما فيها قبل السماء مشعر بخلقها قبل السماء، لأن المتبادر أنه خلق ما فى الأرض، وجعل الأرض مستقرة، لا أنه مخلوق فى الهواء ثم جعل له الأرض مستقرا، وإنما استفدنا الأرض من لفظة ثم، لأنها للترتيب والانفصال ولا يشكل على ذلك قوله تعالى
والأرض بعد ذلك دحاها
Page inconnue