استرد جونزاليس وعيه بالكامل ليجد نفسه في عنبر به ثلاثة أسرة، يتابعها أحد الروبوتات. وصل تشارلي بعد دقائق من استيقاظ جونزاليس، وقد بدا عليه الإنهاك الشديد، وكأنما لم ينم منذ أيام. كانت عيناه محمرتين وشعره أشبه بعش فوضوي من الأشواك المتناثرة. سأل جونزاليس: «كيف تشعر؟» «لست متأكدا.» «بوجه عام، أنت بخير، لكن قرارات الناقلات العصبية الخاصة بك لم تصل إلى مستواها الطبيعي بعد؛ لذا ربما تجد بعض الصعوبة على المستوى الانفعالي والإدراكي لبعض الوقت.»
فكر جونزاليس: «بالتأكيد.» كان خروجه من البيضة سيئا في مرات سابقة، لكن لم يتعين عليه من قبل قط التأقلم مع شيء كهذا. كان جسده مشحونا بطاقة عصبية لا سيطرة عليها، كما لو كان جلده سينتزع منه ويرقص على نغمة خاصة به. وأينما نظر، بدا العالم على حافة تغيير كبير؛ إذ كانت الألوان تتباين على نحو رهيف، والخطوط الخارجية للأجسام تتمايل وتبدو غير واضحة. كان يشعر بالارتباك في كل مكان، ينبعث من الأجسام مثل موجات الحرارة التي تتصاعد من جلمود صحراوي، كما لو كان العالم المادي يشع خوفا.
سأله جونزاليس: «كم من الوقت؟» «لا أدري، لكن قد يستغرق بضعة أيام، ربما أكثر. لقد كنت أراقب كيمياء دماغك عن كثب، ويبدو منحنى التأقلم سلسا، وإن كان بطيئا.» «كيف حال ليزي؟» «في وضع مشابه، لكنها أفضل حالا منك بقليل؛ لأنها قضت هناك وقتا أقل منك. أما الدكتورة هايوود فلا تزال في حالة اتصال كامل.» «لماذا؟» «لأننا لم نستطع البدء في سلسلة فصل التزامن.» «ماذا؟ وما السبب؟» «من المستحيل القول. الأمر عينه ينطبق على جهاز «الميميكس»؛ فلا تزال ديانا وجهاز «الميميكس» متصلين بألف وجيري. في نقطة ما سيتعين علينا فصلهما ماديا، ونأمل ألا يتسبب ذلك في مشكلة.» «ما الذي يجري هنا بحق الجحيم؟ ما خطب جيري؟ قالت ألف إنه في ورطة.» «لقد تغيرت حالته إلى الأسوأ. ونحن نبقيه حيا في الوقت الحالي، لكننا لا نعلم كم من الوقت سيستمر هذا؛ بل إنني لا أعلم إن كنا سنواصل المحاولة لوقت طويل. فلتسأل رئيسك عن هذا.» «تراينور، أهو هنا؟ لقد ظننت أنني أهلوس.» «كلا لم تكن هذه هلوسة ...» وخفت صوت تشارلي في نهاية العبارة، وشعر جونزاليس أن تكملة العبارة الضمنية هي: «أتمنى لو كان الأمر كذلك.» أردف تشارلي: «سأطلب من أحدهم العثور عليه وإحضاره إلى هنا؛ فقد قال إنه يريد الحديث معك بمجرد استيقاظك.» •••
جلس جونزاليس وهو في حالة تشوش عميقة تالية على عملية الاتصال، وأخذ يستمع إلى تراينور وهو يلوم فرع مجموعة سينتراكس في هالو قائلا: «هؤلاء الأشخاص ليس لديهم أي إحساس بالمسئولية.»
سأله جونزاليس: «نحو مجس إدارة سينتراكس؟» «نحو أي شخص بخلاف ألف وجمعية الاتصال. من الواضح أن شوالتر سمحت لهم بالسيطرة على عملية اتخاذ القرار.»
كان جونزاليس يرى، حتى وهو في هذه الحالة العقلية المشوشة، ما سيجنيه تراينور من وراء ذلك. لقد كانت شوالتر كبش الفداء، وسيحرص من يحل محلها أيا كان على أن تكون أولى أولوياته هي التشديد على استراتيجيات الإدارة الآتية من مقر سينتراكس على كوكب الأرض. بعبارة أخرى، كان مجلس الإدارة يستعيد السيطرة، عن طريق تراينور. ومن المتوقع أن يتلقى تراينور مكافآت ملائمة نظير ذلك.
قال جونزاليس: «الجمعية ... ألف ...» ثم توقف، وقد احتبست الأفكار في عقله وهو يفكر كيف سيشرح لتراينور كيفية سير الأمور هنا، والكيفية التي تعين أن تسير الأمور بها هنا، بفضل ألف.
قال تراينور: «هون عليك. يقول الأطباء إنك مررت بوقت عصيب هناك، وهذا ما أعنيه يا ميخائيل: إنهم لا يمتلكون بروتوكولا بحثيا عقلانيا، ولا يتخذون الاحتياطات المعقولة. اللعنة، أنت محظوظ أنك خرجت من هناك بهذه السهولة.»
سأله جونزاليس: «كيف وصلت إلى هنا بهذه السرعة؟» وكان يعجز عن إيجاد الكلمات التي يشرح بها لتراينور الخطأ الذي يرتكبه. «لقد كنت أستشير هورن من البداية.» واستدار كما لو كان شيء أثار انتباهه فجأة على الجدار البعيد وأضاف: «إنه إجراء معتاد. وبمجرد أن عرفني هورن بما يحدث أتيت في مكوك عسكري على الفور.»
فكر جونزاليس: جميل كجرذ قذر. لم يكن هذا مفاجئا له؛ فقد كان تراينور يحرك لاعبيه من دون أدنى اعتبار لأمنياتهم. سأله جونزاليس: «هل سيحل هورن محل شوالتر؟»
Page inconnue