في صبيحة يوم السبت الدافئ ذاك، كان رجال يرتدون قبعات من اللباد وقمصانا مخصصة للعطلات وبناطيل مكوية يحملون أكياسا ورقية بنية ويخرجونها من معبد الباجودا، ويضعونها على أرضيات شاحنات نقل أو حقائب سيارات. كانوا يتبادلون التحية بأن يبصقوا قطعا من التبغ ماركة لاكي سترايكس وكاميلز وتشسترفيلدز. وكانت نساء يرتدين أردية قطنية باهتة، وأذرعهن نحيلة كالخيوط وقوية، ينتظرن ويشاهدن عبر زجاج السيارات الذي ينعكس عليه ضوء الشمس.
شق جونزاليس طريقه بينهم. كان لضوء الشمس سمة خاصة ... وكأنه ضوء مسروق، مأخوذ من زمن آخر. وكانت رائحة دخان السجائر قوية وعجيبة. أخذت محركات السيارات تهدر بصوت مرتفع أجش، ويخرج منها سحب من العادم الأزرق الزيتي. وقف جونزاليس في نشوة وسط الروائح والمشاهد في هذا الصباح الذي من الواضح أنه ينتمي إلى زمن بعيد. كان يعلم (لكن دون أن يدري كيف) أنه كان في بلدة صغيرة في كاليفورنيا في منتصف القرن العشرين.
دخل جونزاليس إلى القاعة الرئيسية للباجودا؛ حيث امتدت مماش ضيقة بين عربات مكتظة بألعاب أطفال وسلع منزلية وأدوات. كانت ثمة عربات أطفال معلقة بالمقلوب من خطاطيف مثبتة في السقف المرتفع، وقد تراقصت ذرات الغبار في الظلام الداخلي البارد. سار بين براميل صغيرة مكسوة بالحديد والمسامير وأكوام من أحواض الغسيل المجلفنة، ثم عبر مدخلا واسعا إلى قسم البقالة. اختلطت رائحة الفاكهة والخضراوات بروائح الأرضيات الخشبية المزيتة ورائحة الشحم الساخن المنبعثة من نضد الغداء في مقدمة المتجر.
دلف رجل وامرأة في أواخر مرحلة الكهولة من الباب الأمامي، وكان الرجل ضئيل الحجم وله شعر أحمر ومزهوا بنفسه، وكان يضع قبعة اللباد على مؤخرة عنقه، وكانت المرأة بدينة وقصيرة قليلا، لكن كانت مهندمة جيدا؛ فكان ثوبها القطني الأزرق نظيفا ومكويا، وشعرها مموجا وممشطا، وكانت تضع أحمر شفاه وطلاء أظافر أحمر لامعا. شاهد جونزاليس الرجل وهو يشتري علبة من تبغ لاكي سترايكس وعلبة من أكياس التبغ المخصص للمضغ من نوع بيتش نات.
قال الرجل شيئا للمرأة الشابة الواقفة خلف النضد جعلها تقهقه، ورغم أن جونزاليس مال إلى الأمام فلم يستطع سماع ما كان يقال ...
سار خلف الاثنين بمحاذاة حامل مجلات من الخشب الرقائقي المطلي بالورنيش، وهناك كانت فتاة نحيلة عمرها ثمانية أو تسعة أعوام ترتدي ثوبا قطنيا باهتا تجلس أمام نسخ من مجلات «لايف» و«لوك»، وهي تقرأ قصة مصورة. نظرت إليه وقالت: «توبي ولولو ضائعين في الغابة السحرية ...»
شرع جونزاليس في قول شيء ما ليطمئنها، لكنه تجمد بينما ابتسمت الفتاة، كاشفة عن أسنانها، وكل سن منها مدبب، وأسقطت القصة المصورة وبدأت في الزحف نحوه على الأرضية الخشبية، وعيناها مثبتتان عليه في توق وحشي ...
وهنا لاحظ للمرة الأولى أنه لم يكن رجلا، بل امرأة، وحين نظر إلى الأسفل نحو جسده رأى أنه يرتدي بلوزة بيضاء بسيطة، وعند شق صدره كان يستطيع أن يرى وشم الساقين الملتفتين ...
قال جونزاليس: «يا إلهي!» وهو يعتدل جالسا في فراشه ويتساءل عما يدور حوله كل هذا؛ ففي هذا الحلم كان هو ليزي، بدا هذا واضحا رغم أن ما سواه لم يكن كذلك.
عاود الاستلقاء شاعرا بنذير سوء، وبعد بعض الوقت غط في النوم مجددا، ولم يعرف بعد ذلك ما إذا كان قد حلم بشيء أم لا.
Page inconnue