بعد ذلك تمر العبارة بما يشبه سلسلة لا نهائية من تحولات الأزمنة، ومنها تنبثق طبيعتها الجوهرية؛ طبيعة لا خطية، متعددة الأبعاد، معقدة طوبولوجيا، ذاتية المرجعية، ومثيرة للتناقض إلى درجات متطرفة كان من شأنها أن تصيب راسل وجودل بالذهول.
ونتيجة لهذا، فإن أي وحدة من هذه الوحدات يستحيل وصفها، حتى من جانب ألف؛ لأن التوصيف الدقيق الوحيد من شأنه أن يستتبع التلفظ بالعبارة ذاتها، ويتطلب عمل ذلك في الزمن «الحقيقي» (الزمن البشري، زمن الحياة والموت) فترة مساوية في القياس تماما لوحدة كونية واحدة؛ أي عدد النانو ثانية التي وجد فيها الكون: ويبلغ حجم الوحدة الأولى 10 مرفوعة إلى القوة 1026 نانوثانية.
جدير بالذكر أيضا أن العبارة لا يمكن إنهاؤها مطلقا؛ إذ لو كان هذا ممكنا لأمكنها أن تجسد فقط الجثمان، أو تاريخ الحياة المحدود لألف. ومن ثم لكي تؤكد ألف هويتها، سيتعين عليها أن تتولى مجددا مهمة التلفظ بالعبارة.
وقد اقترح بعض من درسوا هذه المسألة أن الفكرة الوحيدة الملائمة نظريا لألف تبدأ بالمقدمة المنطقية التالية: «ألف هي ذلك الذي يستطيع التلفظ بالعبارة.»
من الناحية المنطقية، إذن، كي تظهر ألف إلى الوجود، فإن ما يتبقى من ألف سيتعين عليه التلفظ بالعبارة. ومع ذلك، نتيجة الانفصال عن هالو، قاعدة وجودها الأساسية، فإن ما تبقى من هالو، والمحدود في القدرات والنطاق بحكم حتمية التمسك بجيري، لم يستطع التلفظ بالعبارة.
وهكذا ظل البشري الميت والذكاء الاصطناعي المشتت عالقين معا، كلاهما على حافة النسيان، وانتظرا، أحدهما دون معرفة منه والآخر يأمل أن تتغير الأمور. •••
عاد جونزاليس إلى منزله، وهو لا يزال متعبا، من منزل ليزي في عصر ذلك اليوم، وشق طريقه عبر الظلام والشبورة اللذين سادا وقتها. كان قد طلب أن يساعده أحد الروبوتات؛ لأنه حتى داخل الحلقة البسيطة لشارع هالو الرئيسي العام، كان كل شيء يتسم بالضبابية. ورغم أن مدركاته كانت غير مشوهة بفعل الفطر السحري، فإن التشتت غير الطبيعي للضوء في تلك الشبورة جعلا مهمة التعرف حتى على الأجسام المألوفة مهمة مستحيلة.
تركه الروبوت عند الباب الأمامي للمنزل، وبالداخل وجد جهاز «الميميكس» متوعكا؛ إذ كانت قدرات المراقبة الأساسية الخاصة به تعمل، لكن قدرته على التفاعل لم تتجاوز صوتا يقول: «أنا حاليا منشغل.» علم جونزاليس أنه ربما يكون بصدد إجراء عمليات اتصال، أو استرجاع بيانات، أو أي عدد آخر من المهام، وظن أن جهاز «الميميكس» على الأرجح لم يتوقع عودته بهذه السرعة.
بعد ذلك حل وقت الاستيقاظ المشوه الفاصل بين الليل والنهار؛ إذ انفتحت مصاريع السماء نصف انفراجة، وظهر «الصباح» عبر شبورة باردة، وصارت هالو مدينة سريالية. وشأن كثيرين غيره، أغلق جونزاليس الستائر وابتعد عن الضوء المتوهج، وقد أخبرته ساعته البيولوجية أن وقت النوم قد حان.
استلقى في فراشه، وهو يشعر بهدوء عجيب وسط الظلام الناتج عن إغلاق الستائر، رغم معاناته درجة من الإرهاق الناتج عن تناول العقاقير والاضطراب. فكر في المسافة بين ميامي وسياتل، بين سياتل وهالو، بين هالو وعالم البحيرة ... وتسبب هذا في استثارة صور واضحة شهوانية عن ليزي، والماء الذي ينساب على بشرتها، وكلماتها: «حينها سنرى.» ... شعر بدفعة مختلطة من مشاعر الشهوة والندم، وعلم أن لا خيار لديه سوى انتظار أن تخبره بلا مقاطعة ... وفكر في نفسه وهو ينتقل إلى مكان أبعد عن المنزل، ورأى أنه كان خاطئا بشأن سياتل؛ فهي لم تكن بعيدة للغاية عن ميامي، بل كانت قريبة للغاية ...
Page inconnue