Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
والحب هو التصوف، والتصوف هو الحب، ولقد حاول رجال المنهج الصوفي قديما وحديثا أن يعرفوا التصوف، فابتدعوا وابتكروا كلمات مضيئة، تعبر عن الأخلاق، وعن الزهد، وعن التسامي، وعن العبادة، ولكنها عندي جميعا إنما تعبر تعبيرا جزئيا لا يصور المنهج الصوفي، ولا يحيط به.
فالتصوف في جوهره هو الصلة الدائمة اليقظة الحية بالله، هو محاولة تجريبية لعودة الإنسان، بكل جزئية في كيانه الروحي، إلى مبدعه ومولاه.
هو إيقاظ عين القلب، لتتفتح بكل طاقاتها التي أودعها الله فيها، لتكون مبصرة في عالم المشاهدة، فترى الله في كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء .
والصوفي في تجربته الكبرى مسافر في ملكوت السماء والأرض، يسلك طريقا روحيا تتوالى فيه وتتابع الأحوال والمقامات، بإلهاماتها وأذواقها ومعارفها ، حتى يصل من المقام الأول، مقام التوبة، إلى المقام الأعلى، مقام الفناء بالله والبقاء به، ليغدو ربانيا سمعه بالله، وبصره بالله، وكل ما يصدر عنه، وينبثق منه، ويتحرك فيه، إنما هو لله وبالله.
وبراقه الصاعد، ومعراجه ودليله وهاديه في طريقه، هو حبه لربه، ذلك الحب الذي يحرق فيه كل ما هو ترابي، ليبقى كل ما هو روحي رباني.
ذلك الحب الذي يغسل قلبه من الدنيا، ويطلق كنوز روحه العليا، ويمنحه مذاقات الأنس والقرب، وما إلى الأنس والقرب من هبات التجربة الصوفية وعطاياها.
ذلك الحب هو عنوان التصوف، وهو البذرة الأم، التي نمت منها أغصانه، وانبثق زهره، وأينع ثمره.
وقد جعل الصوفية من هذا الحب فلسفة تحيط بكل شيء في الكون، وتمتد أجنحتها إلى كل أفق في الحياة.
فلسفة تمسح من وجه الكون الكبير قناعه المادي، لتحيل الكون جميعه إلى أرواح حساسة عابدة مسبحة؛ لأنها بالحب خلقت، وبالحب قامت، وبالحب تسبح وتهتف.
ثم تمشي إلى الأخلاق الإنسانية، فتنفخ فيها من روح الله، وتسمو بها إلى هداه ورضاه.
Page inconnue