Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
والحلاج في إجابته يروي قصته كاملة، فهو يتحدث عن سيره في الطريق المضيء إلى الله، ورحلته الروحية على أجنحة الحب والوجد، من الأكوان إلى المكون سبحانه. لقد حاول في تجربة روحية فذة، أن يصل إلى مرتبة الفناء الكامل.
الفناء عن نفسه، وعن كونه، ليبقى في عالم النور والمشاهدة، وليظفر بمقام الإنسان الرباني، الذي يكون الله جل جلاله هو سمعه وبصره، ويده ولسانه، وحركاته وسكناته.
وبذلك يذوق مذاقا من القرب ، أو مذاقا من الحب، يفني بشريته، فيحقق بهذا الفناء وثبة بالإنسان إلى أعلى أفق يتطلع إليه، أفق القرب، إلى أبعد حدود القرب، بين العبد والرب، والحلاج هو أجرأ وأقوى من حاول هذه التجربة في عالم التصوف.
ثم يقول الحلاج: «إنه في جهاده الروحي، لم يستطع أن يتخلص تماما من جسده، ومن العلاقات التي للكون على هذا الجسد!»
فرحل بروحه إلى الله، وترك العقل أو بقية منه، ليخلفه في تدبير هذا الجسد، كما رحل موسى عليه السلام إلى الله، وترك هارون في قومه ليخلفه فيهم.
وهنا تحكمت الأكوان في جسده، لغيبته عنه، واستضعفوا خليفته، فأدى ذلك إلى تقويضه.
ولما كان الحلاج قد فنى عن نفسه، وبقي بربه، رد بحكم البقاء بعد الفناء إلى البيت - الجسد - فلما وجد أن الأكوان قد تحكمت فيه، وحلت به المثولات، أنفته نفسه، ومن ثم زهد هذه الحياة، فزهدته الحياة، فكان العذاب، وكان القتل أبشع ما يكون القتل.
وانقبض الحلاج عن دخول البيت، وقيل مات الحلاج! وما مات الحلاج! ولكن البيت خرب! والساكن ارتحل! ارتحل إلى البقاء والخلود. (2-11) في أعقاب المصرع
وفي أعقاب المصرع انطلق خيال بغداد، ليضفي على البطل الشهيد نسيجا أسطوريا من أنسجة القداسة والخلود.
وإن لم يتسق هذا النسيج الموشى مع الحقيقة، فإنه ليرشد ويومئ إلى صور من الحب والإجلال خفق بها قلب بغداد، وهي تبكي بطلها الشهيد.
Page inconnue