Ainsi parlait Nasr Abu Zayd

Jamal Cumar d. 1450 AH
67

Ainsi parlait Nasr Abu Zayd

هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن

Genres

قبل ذلك، أما قبل، عادة عبارة أما بعد. أما قبل هذه عبارة أنا مدين بها للمرحوم عز الدين إسماعيل، كان رئيس تحرير مجلة فصول، وكان يكتب مقدمة كل عدد من أعداد المجلة، وكل عدد مخصص لموضوع معين، يكتب مقالة بعنوان «أما قبل»؛ ذلك أن مقدمة أي مجلة أو أي كتاب تكتب بعد أن ينتهي الباحث من الكتاب، وليس قبل أن ينتهي الباحث من الكتاب. فهنا «أما قبل» هي في الواقع «أما بعد»، ولكني أريد أن أطرحها قبلا. وفيها أيضا بلاغيا ما يسمى كسر التوقع. وأريد أن أتوقف دقيقة عند كسر التوقع، كسر التوقع إحدى الأدوات البلاغية الهامة جدا جدا في اللغة، والتي تبين في لغة الشعر وتبين في لغة السرد، وتبين في لغة القرآن، كسر التوقع. كسر التوقع مهمته إحداث الدهشة، ربما الصدمة، ذلك أن الشاعر أو الكاتب لا يخوض في المألوف والمعتاد، ولا يطرق الطرق المطروقة، وإنما يريد أن يقوم بمغامرة؛ الفن مغامرة، الكتابة مغامرة، البحث مغامرة. وحين نفقد مفهوم المغامرة يموت ما يسمى قوة البحث العلمي، ويموت ما يسمى قوة الإبداع الفني. الخطاب العام للأسف الشديد يجنح إلى النفور من المغامرة؛ لأن المغامرة قرينة إمكانية الوقوع في الخطأ. والوقوع في الخطأ لم يعد كما كان في التراث العربي، وكما هو في كل الفكر الإنساني الوسيلة الوحيدة إلى الصواب، وإنما الخطأ في تصورنا هو الوسيلة إلى الهلاك. وننسى هنا أن اليقين يقع بين شكين؛ شك يؤدي إلى اليقين، ثم يقين لا بد من الشك فيه أيضا، وهكذا تطور المعرفة. النظرية العلمية تقول إن النظرية العلمية هي النظرية القابلة للدحض، كل إثبات يقابله دحض.

أما قبل فأنا أحاول أن أستخدم هذا التكنيك، أما قبل فسأتكلم فيما بعد: أنا باحث ولست صاحب مشروع فكري، ليس هذا تواضعا وإنما هو وصف لما أقوم به. مع احترام وتبجيل لكل أصحاب المشروعات الفكرية. باحث مشغول بالأسئلة، ينقله سؤال إلى سؤال آخر، وحين تتوقف الأسئلة في ذهني أعتبر أن هذه شهادة موت. حين يتوقف العقل عن التساؤل، يختفي العقل. لست صاحب مشروع فكري، ليس عندي مشروع فكري منظم، وله بداية، وله نهاية، وله أهداف، واستراتيجيات، وبالتالي له تكتيكات للوصول إلى الاستراتيجية. ومن هنا كما ترون أنني انتقلت من مفهوم النص الذي كنت أحد الذين تبنوا هذا المفهوم ودافعوا عن هذا المفهوم. أنتقل الآن إلى مفهوم الخطاب كنوع من النقد الذاتي، ونوع أيضا من النقد المعرفي للمفاهيم. وليس معنى ذلك أن ما أنتقل إليه هو الصواب الكامل، الصواب الكامل سنصل إليه، تلامذتي يصححون، وأنا أومن بالمستقبل؛ لذلك أنا فخور جدا أني معلم أكثر مني باحثا، كان لنا أستاذ عليه رحمة الله يقول: «نحن معلمو صبية.» وأنا فخور جدا بهذا الشعار، إنني معلم صبية.

لكن أعلم الصبية كيف يفكرون، لا كيف يتلقون المعرفة الجاهزة، حتى مني. إذا لم يكن بين طلابي من هو قادر على تجاوز أفكاري، فهذا فشل مروع من جانبي. وهذا هو الفشل الذي تعيشه المؤسسات الأكاديمية في مجتمعاتنا. لست صاحب مشروع فكري، إنما أنا باحث، ربما بعد أن أنتقل إلى ملكوت الله يجد البعض فيما كتبته من أبحاث مشروعا فكريا. ربما، لكن ليس عندي مشروع فكري، من البداية، أريد أن أصنع كذا وكذا وكذا. لست نبيا، أصحاب المشاريع الفكرية أحيانا يكون عندهم مهمة رسولية، وأنا لا أدعي هذا.

كما طرحت في المحاضرات السابقة، انطلقت أبحاثي من السؤال. السؤال الأول ومن نتائج البحث الأول يتولد سؤال آخر، فيتم الدخول في منطقة ثانية من البحث وهكذا. من نتائج البحث الأول تتولد أسئلة جديدة هي التي يمكن أن تتبع في الأبحاث الأخرى؛ لذلك من الصعب أن يقرأ شخص آخر بحثا لي، دون أن يدرك هذا التتالي في الأسئلة، والتوالد من الأسئلة. يمكن جدا أن يصدر أحكاما على النتائج التي جاءت في البحث.

السؤال الأول كان حول المعنى الديني، بؤرة المعنى الديني. كما طرحت لكم؛ السؤال الأول كان: عن مفهوم المجاز في القرآن عند المعتزلة، يعني لماذا حاولت هذه الفرقة الإسلامية أن تعيد النظر في المعنى الديني، وهي تعيد النظر في المعنى الديني بلورت مفاهيم، وبلورت وسائل. وهذه الوسائل وسيلة مهمة جدا عند المعتزلة وعند الفلاسفة، بعد ذلك كان هو مفهوم المجاز. المجاز هو أداة التأويل، لكن كان على المعتزلة أن يخوضوا في الحاجة إلى التأويل، هذا هو السؤال الأول. انتهيت من بحث المعتزلة فتساءلت هؤلاء هم المعتزلة وهؤلاء هم الأشاعرة، وقد تنازعوا حول المعنى الديني؛ نزاعا وصل إلى حتى المبنى حين يقسم القرآن إلى محكم ومتشابه حسب نظرية المتكلمين، وحين يكون المحكم في نظر المعتزلة هو المتشابه في نظر غير المعتزلة. إذن دخلنا في اختلاف في المبنى وليس اختلافا في المعنى. وكانت النتيجة هذا السؤال. هذا النزاع حول المعنى ما أسبابه، وما نتائجه؟ نزاع حول بؤرة المعنى الديني الإسلامي - وأنا أقول الإسلامي؛ لأن أحد الأصدقاء قال إنه لازم حين تذكر الديني تقول الإسلامي لأن فيه ديني مسيحي لذلك عملت التخصيص المعنى الديني الإسلامي - لماذا يكون النزاع حول المعنى، يتمركز هذا النزاع حول المعنى في النص القرآن/الوحي. بؤرة المعنى الديني؛ لأن القرآن/الوحي.

وهنا لن أدخل في مشكلة ما إذا كانت السنة وحيا يساوي القرآن أو لا، هذه مشكلة أخرى. لذلك أنا أستخدم القرآن واستخدم الوحي من أجل ألا أدخل في هذا الخلاف الآن. القرآن/الوحي معطى أولي في الثقافة العربية الإسلامية، وبالتالي لا يمكن لأي صياغة للمعنى، حول معنى الحياة أن يتجاهل هذا المعطى الأولي. بطريقة أخرى أريد أن أقول، إنني مشغول بمعنى الحياة وليس فقط بمعنى النص الديني، لكن معنى الحياة شديد الترابط، ولا يمكن فصله عن المعنى الديني، لكني مشغول بمعنى الحياة؛ لأني وأنا أدرس المعتزلة كنت أنظر إلى معنى الحياة الذي يعاد تشكيله في مصر، وطننا الحبيب، معنى الحياة كان يعاد تشكيله بين الستينيات والسبعينيات، ثم أعيد تشكيله مرة أخرى في الجمهورية الثالثة. أنا عندي ثلاث جمهوريات في تاريخ مصر المعاصر؛ الجمهورية الأولى والجمهورية الثانية والجمهورية الثالثة. وربما نشهد الجمهورية الرابعة إذا طال العمر، في كل جمهورية تم تغيير المعنى. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا، فإذن النزاع حول المعنى هو نزاع في التراث، وهو أيضا الآن يصل إلى نزاع عنيف حول المعنى.

القرآن معطى أولي، لا يمكن لأي بحث حول معنى الحياة في أي مجتمع من المجتمعات التي تسكنها أغلبية مسلمة أن يصوغ معنى خارج هذه البؤرة المركزية للمعنى.

الدراسات القرآنية هذا تخصصي، مع سؤال المعنى أصبحت متخصصا في الدراسات القرآنية كنوع من التركيز. الدراسات القرآنية علوم بينية، يعني إذا قرأت فقط الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، أو البرهان في علوم القرآن للزركشي، أو قرأت كل التفاسير، أو قرأت كل التراث، هذا لا يجعلك متخصصا في الدراسات القرآنية؛ لأن الدراسات القرآنية تتطلب دراسة ما قبل القرآن، التاريخ، المجتمع، المجتمع الواسع جدا جدا، مجتمع الجزيرة العربية، علاقة مجتمع الجزيرة العربية بالعالم؛ قريش، مكة، المدينة. وهذه تحتاج إلى علوم كثيرة جدا. أنا هنا لا أقوم بهذه العلوم، هذا ادعاء أعوذ بالله منه، إنما أنا أعتمد على نتائج الدراسات التي تقام على هذا السبيل، ما قبل القرآن.

الفضاء الدلالي للقرآن: وهو دخول في عالم النص، وفي بنية النص، وفي تركيب النص دون إغفال ما قبل القرآن، ثم ما بعد القرآن: وما بعد القرآن؛ كيف صاغ علماء الإسلام بعد القرآن نظريات وفلسفات منشؤها القرآن كفضاء للمعنى، ومنشؤها الواقع الاجتماعي الذي يعيشون فيه كفضاء للنزاع حول المعنى. كل النزاع حول المعنى كان لا بد لكل الفرق أن ترتد إلى القرآن.

وهذا يؤدي إلى تأسيس نظرية في التأويل حدثت كما أشرت عند المعتزلة وعند الصوفية وعند الفلاسفة. ونحن بحاجة الآن لتأسيس نظرية للتأويل قائمة على هذه الدراسات القرآنية في علاقتها بالعلوم البينية، ليست فقط علوم اللغة والبلاغة، وإنما علم الاجتماع والأنثروبولوجي، وتاريخ الثقافات ... إلخ. ليست عندنا دراسات قرآنية بالمعنى الذي أتمناه في مؤسستنا.

Page inconnue