Ainsi parlait Nasr Abu Zayd
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
Genres
جابر عصفور
حسن حنفي
من جهدكم وإليكم
جمال
تقدمة
عشر سنوات تمر على رحيل نصر أبو زيد بالجسد عن دنيانا، ورغم أن تسجيل وحفظ الذاكرة في عصرنا أصبح من رخص التكلفة المادية ومن السهولة بمكان، وإمكانية حفظ وتخزين المعلومات بكل أشكالها وإتاحتها، سهولة لم يبلغها عصر من عصور البشرية السابقة علينا؛ ورغم كل ذلك فما زالت ذاكرتنا الجمعية كثقافة وكمجتمعات وكأفراد باهتة وضعيفة وفي حالة تفتت وبعثرة، مما يشتت وعينا بواقعنا ويجزئ ماضينا، ويجعل السعي نحو المستقبل سيرا في ضباب وفي غيم؛ فما زالت حارتنا تعاني من آفة النسيان رغم ثرثرتها ليل نهار عن الماضي وعن التاريخ، حتى تصور الكثيرون أننا نعيش في الماضي. لكننا في الواقع نحن أصبحنا ماضيا؛ لأننا نتعيش بالماضي، نقتات على فتافيت منه ونتباهى بتوهماتنا عنه وتوهتنا فيه. لكن ما علاقة هذه الصور اللغوية التي ربما قد بالغت في رسمها بنصر أبو زيد؟ علاقتها أن خطابه وتعاملنا معه نموذج ومثال لهذه الحالة من النسيان والتناسي، رغم ذكر اسم «نصر أبو زيد» المتوالي في الأحاديث والقعدات الإعلامية المذاعة، منذ رحيله، فما زالت كتاباته لم تجمع في كتب، وما زالت نصوصه بالإنجليزية لم تترجم إلى العربية، ورغم الإعلان عن نشر أعماله الكاملة، فلم تكن سوى إعادة نشر لكتبه المنشورة سابقا .
في عقده الأخير لم يعد أبو زيد يكتب تقريبا نصوصا لمحاضراته، بل كان يعتمد على نقاط «بوربوينت»، ويتحدث عن الموضوع، وكل محاضرة يضيف إليه؛ مما يجعل أن تحويل تسجيلات محاضراته إلى نصوص مكتوبة هي عملية مهمة جدا لرصد خطابه، وخصوصا في مرحلته الأخيرة. أدركت هذه الأهمية وهذا العجز في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته، فطلبت منه أن يسجل مداخلاته هذه تسجيل صوت «ديجيتال»؛ حتى يكون هناك توثيق لجهوده، وقضيت عام 2009م أحول تسجيلات المحاضرات إلى نصوص مكتوبة، وأرسلت له نصوصا لعشر محاضرات، لعله يجمعها في أحد مؤلفاته. وطبعا بعد رحيله تصبح عملية نشر نصوص محاضراته عملية لا تغري بالنشر، فبعد عشر سنوات، أقدم نصوصا لأربع محاضرات ألقاها نصر أبو زيد بمكتبة الإسكندرية في ديسمبر 2008م، وقد رفعت فيديوهاتها على النت منذ عشر سنوات. وهذه المحاضرات الأربع تصور مراحل التفكير عنده، وكان ينقصها محاضرة خامسة تتناول جهوده في دراسة التفاسير والتأويلات المعاصرة للقرآن. هذه المحاضرات وحدة متكاملة تصور تطور خطاب نصر أبو زيد، أضعها بين يدي القارئ وبين أيادي الثقافة، وأضيف إلى المحاضرات الأربع النصوص التي كتبتها عن خطاب نصر أبو زيد، خلال العقد الماضي؛ لتضع محاضراته هذه في سياق تطور هذا الخطاب، وأختمها بقائمة مؤرخة ومرتبة تاريخيا لكتابات نصر أبو زيد، من عام 1962م حينما كان في التاسعة عشرة، حتى آخر كتبه الذي نشر بعد عامين من رحيله، عام 2012م. لعل هذا النص يساهم في مواجهة آفة النسيان في ثقافتنا.
جمال عمر
31 مايو 2019م
تمهيد
Page inconnue