Ainsi parlait Zarathoustra
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
لا بترقية الزراعة والصناعة، ولا بنشر التعليم والتهذيب ولا بجعل البلاد جنة ثراء وتنظيما، تنشأ الأمة ويخلق الشعب الحر السعيد.
إن الجنين الذي يحمل أسباب شقائه، وهو في بطن أمه لا يمكنه أن يصير رجلا حرا قويا يفهم حقيقة الحياة ويتمتع بالعظمة الكامنة فيها.
إن الاهتمام بإيجاد الطفل الصالح أولى من العمل لإعداد العلم والتهذيب لطفل نصقل مظاهره صقلا وتنحطم كل محاولة للنفوذ إلى علته المستقرة فيه منذ تكوينه. •••
ليس الفقير المتسول، ولا العليل المتألم، ولا الشيخ الهرم يتمشى بلا سند إلى قبره، ليست المرأة المستعبدة بلقمة، ولا الفتاة المخدوعة المنطرحة على أقذار المواخير، ليس كل هؤلاء الناس الأشقياء في الحياة بأشقى من الأطفال يجور عليهم آباؤهم وأمهاتهم قبل أن يقذفوا بهم إلى الوجود، ويرهقونهم بالقطيعة والإهمال بعد أن يدرجوا عليها بأقدامهم الناحلة المتعثرة ...
الرجل الذي يمسخ حبه الواحد شهوات متعددة، والمرأة التي تتقصف متهتكة ماسخة هيكل نسمات الله مركعا لنفايات البشر من عباد الخيانة والطيش، إنما هما آدم وحواء مطرودين من الجنان إلى أرض الجهود المضيعة والآلام المحتمة، ومن يدري أن حديث معصية الأبوين ليس رمزا لخيانة الحب، تلك الخيانة التي تنزل اللعنة بمرتكبيها وبأبنائهم من بعدهم ...
ويل للرجل الذي يهدم بيديه سعادته وسعادة أبنائه، وويل للمرأة التي تدنس منبت أطفالها.
ليس في تمهيد موجز كهذا مجال لبحث فلسفة نيتشه التي أشغلت كبار كتاب القرن التاسع عشر، ولم يزل الفلاسفة يكتبون عنها إلى اليوم، غير أن ما تناولناه إلماما من نظريات نيتشه يكفينا لتحديد ما يجب أن نغفله منها دون أن ننتقص من قدر هذا العبقري لأنه اقتحم أسرار الكون معتمدا ذاته فعاد عن هذه الأسرار مدحورا، وهل من كاتب قبله أو بعده تمكن من حل ألغاز الوجود والوقوف منها عند عقيدة صريحة تستغني عن الإيمان بالقوة الخفية المتعالية عن التعليل والتحليل؟
حسب نيتشه في موقف حيرته، وما هي بالدرجة الوضيعة على سلم التفكير، أن يهتك سريرته أمامك دون أن يلجأ إلى إعمال السفسطة لإيجاد وحدة ظاهرية وتناسب مزيف في صرح تفكيره، حسبه أنه اندفع وراء المثل الأعلى الكامن في «إرادة القوة» تبعا لتعبيره وفي نفس الإنسان الخالدة تبعا لعقيدة المؤمنين، فبسط أمام المفكرين من مشاهد المجتمع ومن مسالك الأرواح على معابر الأرض ما لم يلمحه سواه من المنشئين. •••
إن ما نرانا بحاجة إلى الوقوف عنده من فلسفة نيتشه في كتاب زرادشت، الذي لم تفته قضية اجتماعية لم يقل فيها كلمة كان لها دويها في العالم الغربي، إنما هو هذه المبادئ التي تجتث ما غرست قرون العبودية في أوطاننا من استكانة حولت إيمانها إلى استسلام في حين أن روح شرعتها يهيب بالنفس إلى الجهادين في سبيل الوطن والإنسانية جمعاء.
إن الدين الذي يهاجمه نيتشه إنما هو صورة لأصل شوهها الغرب، وما علم هذا الدين أن الحياة معبر على المؤمن اجتيازه، وهو معرض عن كل ما حوله معلق أبصاره على باب قبره، بل علم أن الحياة مرحلة من أشواط الآزال والآباد وما تطهر أنفس لم تحترق بنار الحياة أجسادها، ولم تعد صلاحا لباقياتها بإصلاح زائلاتها.
Page inconnue