Ainsi parlait Zarathoustra
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
غير أن المبدع لزرادشت لم تفته هذه الحقيقة، فعاد إلى الشريعة الأولى يختلس منها آيتها الكبرى ليوردها وصية لدنياه فقال:
حذار من الطفرة في مسلك الفضيلة ؛ فعلى كل فرد أن يسير في طريقه وإن جنح عن مسلك الآخرين، فلا يطمحن إلى بلوغ الذروة وحده؛ إذ على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين.
أين هذه الوصية مما دعا إليه زرادشت في مفكراته نفسها؛ إذ قال:
على أهل السيادة في الإنسانية المتفوقة أن يمهدوا سبل السعادة لمن هم دونهم بتضحية ملذاتهم وراحتهم، وعليهم أيضا أن ينقذوا من لا يصلحون للحياة بالقضاء عليهم دون إمهال.
بل كيف يتفق القسم الأول من هذه الوصية مع قسمها الثاني؟! ومن له أن يضع مقياسا يقضي به لمن يصلحون للحياة كما يقضي به على من لا يصلحون لها إذا اتبع القاضي شرعة زرادشت القائل بأن على أتباعه أن تتجلى القوة فيهم من الرأس حتى أخمص القدم.
ولو أن مذهب نيتشه هذا طبق قبل ميلاده لكانت السلطة التي يراها مثلا أعلى قضت على أبيه وأمه دون إمهال؛ فما كان له هو أن يظهر في الوجود بدماغه الجبار وبسم الداء الذي جال من دمهما الملوث في دمه ...
ثم، أفليس هنالك غير هذه الأدواء الطارئة والتي يمكن للعالم أن يكافحها، ما يقضى على الإنسان بالرضوخ له من حالة في جسمه لا قبل له بتبديلها أو تعديلها؟ أفما تحقق الطب أن كل مولود يجيء الحياة إنما يدخلها مستصحبا معه إليها من سلالته الضعف الذي سيقضي عليه، أفليس في كل دارج على هذه الغبراء علة أو علل كامنة في تكوين أعضائه ستورثه الردى حين تدنو ساعته؟ ...
أي جسم مهما ظهر لك صحيحا ليس فيه عضو هو أضعف الحلقات في سلسلة أعضائه، وفي فراغ مناعته المحدودة انفصام العرى وبداية انحلال العناصر في هيكله الفاني؟!
أين هو الجسم المنيع الذي يتوق نيتشه إلى إيجاده مربعا من قمة الرأس إلى أخمص القدم؟!
لقد عمل العالم المتمدن على إيجاده بالرياضة؛ فأوجد الرقاب الغليظة والعضلات المتضخمة مسببا منها تضخم القلب، وجفاء الطبع، وبلادة التفكير، وانحطام أجنحة الخيال.
Page inconnue