Ainsi parlait Zarathoustra
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genres
وما هذه الحالة التي يدعونها اعتدالا إلا حالة انحطاط وخمول.
3
لقد ألقيت إلى هذا الشعب بكلمات كثيرة، فما وسعه إدراك كنهها ولا حفظها، وكل ما بدا منه هو استغرابه ألا أكون أتيت إليه بالمواعظ لمكافحة الفحشاء والرزائل، والحق إنني ما جئت نذيرا يدعو القوم إلى الاحتراس ممن ينشلون الأموال من الجيوب.
لقد استغربوا ألا أكون مستعدا لتنبيه الغافلين عن الحكمة وتسديد التفكير في الحكماء، فكأنهم لا يزالون بحاجة إلى مهرة المعلمين تخدش أصواتهم الآذان كأنها صريف أقلام الحجر على اللوحات السوداء.
فإذا صرخت بهم قائلا: أنزلوا لعناتكم على ما فيكم من جبناء الأبالسة الذين لا يحلو لهم غير الأنين وضم السواعد إلى الصدور للعبادة. هبوا منادين بكفر زارا وإلحاده، وارتفعت فوق أصواتهم أصوات من يعلمونهم الاستكانة والصبر، فلا أملك نفسي من أن أهمس في آذان هؤلاء المعلمين لأقول لهم: أنا هو زارا الكافر الملحد، ولولا شعوري بالاشمئزاز منهم لكنت أسحقهم سحقا؛ لأنهم أشبه بالقمل لا يدبون إلا حيث تبدو الحقارة وينتشر الجرب.
أجل لقد همست في آذان هؤلاء المعلمين قولي إنني أنا زارا الكافر القائل: أرشدوني إلى من هو أشد كفرا مني لأتمتع بتعاليمه وأسر بها.
أنا هو زارا الكافر، فأين أشباهي؟ وما أشباهي إلا من يهبون من ذاتهم لذاتهم إرادة مطرحين الصبر كارهين الاستسلام.
أنا هو زارا الكافر، أنا الصاهر في مرجلي كل ما يدعى صدفة، فلا أزال به حتى ينضج ليصلح لي غذاء، ولكم رأيت الصدف تتقدم إلي كأنها السيد المطاع فترغمها إرادتي على الركوع أمامي خاشعة مسترحمة طالبة إلي أن أجد لها مأوى عندي قائلة: ما يلجأ الصديق إلا إلى صديق.
ولكن لمن أوجه الخطاب إذا كانت كلماتي لا تطرق أسماعا تشبه أسماعي؟ غير أنني سأرسل صوتي في الفضاء لتهب به الرياح قائلا: أيها القوم الوضيع، إنك لتزيد حقارة من يوم إلى يوم، إنك سائر إلى الذوبان فالاضمحلال، وما يوردك الفناء إلا صغيرات فضائلك وتساهلك وصبرك.
إنكم تدارون كثيرا أيها الناس، وتتخلون عن الكثير، وما الأرض التي تنمون عليها إلا من تراب المداراة والضعف وهل يشتد جزع الدوحة فتتعالى إذا هي لم تنشب أصولها في الأرض القاسية ملتفة حول صلب الصخور؟
Page inconnue