Ainsi je fus créé: une longue histoire
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genres
وقبلتها وقلت: «إن الهدى يا ابنتي هدى الله، أمتعك الله بالسعادة والهناء.»
وفي الغد تأهب زوجي وابنتي للسفر إلى ينبع فصحبتهما إليها، وودعتهما حين أبحرت الباخرة، وعدت في رفقة إلى المدينة، واتخذت مكاني من الروضة، وحمدت الله أن هدى ابنتي إلى الحق، وهدى زوجي ليدعني في جوار الرسول الكريم.
الفصل الحادي عشر
عدت إلى المدينة وإلى مكاني من الروضة في المسجد النبوي، وقلبي مفعم غبطة أن أتاح الله لي فرصة كاملة لتطهير روحي من كل شائبة، ورآني خادم المسجد أعود وحدي إلى مكاني بعد أن كان زوجي وابنتي يصحباني إليه، فتلطف في السؤال عنهما، فلما علم أنهما عادا إلى مصر، وأنهما سيحضران إلى المدينة في زيارة رجب دعا لهما بالخير، وأثنى عليهما أجمل الثناء، وتمنى لهما زيارة رجب موفقة، وكذلك عدت إلى مألوف سيرتي قبل مجيئهما من مصر، ولا أشك في أن الله قد رضي عني، وأن بقائي بالمدينة بإذن بذله زوجي طيب النفس ببذله خير مظهر لهذا الرضا.
وأقمت الأيام والأسابيع والشهور من يومئذ أمعن في تطهير نفسي وقلبي، وأطمئن إلى من بمصر من رسالاتهم إلي، وأدعو لهم وللناس جميعا بالخير. وإن شهر رجب ليقترب، وإن نفسي لتهفو لرؤية الأعزة ولصحبتهم في زيارة مدينة الرسول ومسجده وآثاره، إذ تناولت من ولدي برقية نصها: «صحة عمي توجب حضورك فورا.» ولشد ما أزعجتني هذه البرقية، وجعلتني أضرب أخماسا لأسداس أحاول أن أحدس ما أصاب زوجي! لقد كان في كمال صحته يوم كان هنا، ويوم ودعته بينبع، ترى أصابته نوبة من تلك النوبات التي تخشى مغبتها، فدفعت ولدي ليبعث إلي يدعوني إلى القاهرة؟ فأنا أعرف ولدي، وأعلم أنه لا يزعجني هذا الإزعاج لطارئ لا تخشى عواقبه، لا بد إذن من السفر على أول باخرة تبحر من ينبع.
وتجهزت للسفر، واتخذت له كل عدته، وذهبت إلى ينبع وأبحرت منها إلى مصر، وكان زوج ابنتي في انتظاري بالسويس، فلما رأيته سألته في لهفة عن أنباء عمه، وحاول الشاب أن يطمئنني لكن محاولته لم تزل مخاوفي؛ لأن سؤالي جعله في حيرة اضطرب لها هنيهة قبل أن يتكلم، ثم لم تكن عبارته حين تكلم عبارة الواثق بنفسه، وقلت له: «لا تخف عني شيئا يا بني، إنني سأرى الرجل بعد ساعات إن كان لا يزال على قيد الحياة، فاصدقني ولا تزد بمحاولتك اضطراب نفسي.» وكان جوابه: «لقد أصابته يا أماه نوبة قلبية شديدة هي التي دفعتنا لاستدعائك على عجل، وكانت صحته قد بدأت تتحسن حتى لقد عاتبنا أمس على إزعاجك، لكنه استيقظ فجر اليوم متعبا فدعونا له الطبيب قبل أن تطلع الشمس، ولم أستطع البقاء لأعرف رأي الطبيب مخافة ألا أدرك الباخرة أول وصولها، وكلنا ندعو الله من أعماق قلوبنا أن يمن عليه بالشفاء، وأن يرد إليه العافية.»
وأطرقت لما سمعت، ورفعت رأسي أدعو الله من أعماق قلبي ألا يسيئني في هذا الرجل الطيب الذي أحسن إلي وأنقذني، ثم أحسن إلي سنوات طوالا بعد زواجنا، ثم أحسن إلي مرة ثالثة، فأذن لي في مجاورة الرسول الكريم.
وأقلتنا السيارة تنهب طريق الصحراء إلى القاهرة، فلما دخلت غرفة المريض العزيز وأنا في ثوب الإحرام الناصع البياض، نظر إلي بعينين ملأهما الدمع نظرة شوق ويأس، وأقبلت عليه فقبلت جبينه ويده وأنا أرتجف لشدة ما أصاب قلبي من الخفقان، فلما هدأ روعي بعض الشيء أمسكت بيده وقلت: «شفاك الله يا حبيبي وعافاك، إنها دعوة يهتف بها قلبي منذ عرفت وأنا بالمدينة بعض ما أصابك، وظل يهتف بها في كل صلواتي وخلواتي، وساعات قنوتي وتهجدي، وأرجو أن يسمع الله لي، إنه سميع الدعاء.» فنظر إلي بعينين ملئتا يأسا، وقال في همس: «شكرا يا حبيبتي، لكني أحس دنو الأجل! نعم، إنها النهاية؛ فاستغفري لي ربك هنا، واستغفريه حين تعودين إلى المدينة تجاورين رسول الله الأكرم»، وسكت بعد ذلك برهة ، ثم قال في صوت خافت لا يكاد يبين: «وداعا وحمدا لله أن رأيتك قبل أن ألقاه لتستغفريه لي؛ فأنت ولية الله الصالحة!»
قلت: «بل أنا يا حبيبي المذنبة التائبة، فليغفر الله لك ولي، وليرحمك ويرحمني، إنه رب التقوى ورب المغفرة!»
وأسبل الرجل عينيه؛ أتراه ودع الدنيا؟ أتراني حضرت من المدينة إلى القاهرة لأراه هذه اللحظة القصيرة؟ أتراه ودعني حقا وداع الأبد؟!
Page inconnue