Ainsi je fus créé: une longue histoire
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genres
وقررت أن أنفذ هذه الخطة منذ غد!
الفصل السابع
لزوجي أصدقاء كثيرون من خيرة طبقات القاهرة، يجتمع بهم في ناد من أنديتها، وقد كان يتناول طعامه في هذا النادي في أثناء غيابنا في أوروبا، كما كان يتناول بعض وجباته فيه إذا اضطره عمله للتخلف عن الحضور إلى المنزل في الظهر أو المساء، أو لو حملته على أن يتناول أكثر وجباته هناك، وأمعنت بذلك في إبعاده عنا وعن المنزل، أولا يشعر بالوحدة شعورا يهون عليه أن يقبل الانفصال الذي أريده؟
وتنفيذا لهذا التصميم كنت كثيرا ما أطلبه في المساء في النادي، وأبلغه أن المنزل لا طعام فيه، وأنه إن شاء أن يتناول طعاما فليتناوله في النادي، ولعله لم يكن يضيق بذلك ويتأذى منه، ولعله كان يجد فيه فرصة لإطالة المقام بين أصدقائه، فإذا جاء إلى المنزل في موعد النوم لم يزد على أن يبادلني تحية المساء ويذهب إلى غرفته، ولم أكن صادقة في كل المحادثات التليفونية معه، فكثيرا ما كان يتناول العشاء معي في تلك الليالي أصدقاء وصديقات يسر زوجي بالوجود معهم، وفي هذه الليالي كنت أشد حرصا على بقائه بعيدا عن المنزل حتى لا يجد ما يحببه فيه ويدعوه إليه.
وللمصادفات في حياتنا الإنسانية تصاريف عجب، فقد كلمته ذات مساء ليتناول طعامه في النادي، وكانت عندي ليلتها وليمة دعوت إليها عددا من أصدقائي الذين يسرون بلقائه، فلما حضروا ودعينا إلى المائدة سأل بعضهم عنه، فذكرت أنه اعتذر لي في اللحظة الأخيرة لأمر طرأ عليه، وإننا لنتناول الطعام إذ دخل هو علينا ووقف واجما ينظر إلى هذه المائدة الفاخرة، ويذكر قولي له إن المنزل لا طعام فيه، وأخذت حين رأيته في موقفه منها وكدت أضطرب، لكني ملكت نفسي وقلت في عبارة حاسمة إنه لا مكان له على المائدة، وأراد بعض الحاضرين أن يفسح له مكانا، فقلت في لهجة الحزم: «فليبق كل في مكانه، أما هو فلا مكان له بيننا»، وساد الحضور - وبينهم صديقنا - وجوم استمر حتى خرج زوجي من قاعة الطعام معتذرا في ابتسامة متكلفة بأنه أكل قبل أن يحضر إلى المنزل، ثم عدنا إلى أحاديث تافهة نقطع بها جو هذا الوجوم.
وفي الغد تناول زوجي طعام الظهيرة خارج المنزل، ثم جاء مبكرا في المساء فألفاني وحيدة في غرفة نومي، وقد تزينت لسريري زينة كلها الإغراء، وقد ألف بحكم مهنته أن يجلس على سرير المريض حين يفحصه، وكثيرا ما كان يجلس إلى جانبي هذه الجلسة فيما مضى، أما اليوم فلم يفعل، بل جر كرسيا إلى جانب السرير جلس عليه، وارتسم على وجهه من سيما الحزم ما لم أتعوده منه قط، ثم قال: «اسمعي، إنني أريد أن أحدثك في هدوء فإياك أن تفسدي علي هدوئي، إن ما حدث منك أمام ضيوفك أمس لا يصدر عن سيدة ولا امرأة من حثالة الناس، لقد تحملت منك ما تحملت حتى اليوم لغير سبب أعلمه، ولقد تحملته لا خوفا منك، ولكن خوفا عليك، وخوفا عليك من نفسك؛ فأنت امرأة مريضة النفس، لا تنظرين إلى الحياة بالعين التي ينظر بها الأصحاء، بل متأثرة بعاملين هما مصدر علتك وسبب مرضك النفسي، هذان العاملان هما: الغرور والغيرة، برغم ذلك أحببتك ولا أزال أحبك! وحبي إياك من أجلك ومن أجل طفليك، هو الذي يجعلني أحتمل منك ما احتملت، وأن أصبر عليه ما بقي أمره بيني وبينك، آملا أن يشفيك الله يوما فيثوب إليك رشدك. أما أن يبلغ الأمر إهانتي على نحو ما حدث أمس فذلك ما لا قبل لي باحتماله، ويجب أن تعلمي أن هذا البيت بيتي أنا، وأن الذين يدخلونه يدخلون بيتي أنا، وأنت تقيمين فيه وتدعين أصحابك إليه لأنك زوجتي، وأحسبك تقرين هذا ولا تجهلينه، فلو أننا انفصلنا غدا بالطلاق كما طلب إلي صديقنا أن أفعل لما بقي لك في هذا البيت مكان، ولما استطعت أن تستقبلي فيه أحدا.»
كنت أسمع كل كلمة من كلماته هذه كأنها خنجر يطعنني في صميم كرامتي، ولكني كظمت غيظي وحبست دموعي، حتى إذا أتم مقاله أجبته في هدوء: «وماذا عليك إذا أرحت نفسك وأخرجتني من هذا البيت ليكون لك وحدك، أو لمن يرضي قلبك أن يحل فيه مكاني؟!»
لم أكد أتم هذه الكلمة حتى رفع يديه وقال: «الآن أيقنت أني أخطئ في تقديري، فصديقنا لم يحضر ولم يكلمني في طلاقك من تلقاء نفسه، بل اتفقتما معا لغرض تضمرانه، لكني لست من السذاجة بما تتوهمان، إنني لن أنيلكما ما تبغيان، ولن أجعل نفسي وأجعلك وأجعل طفلينا أحدوثة الناس، كلا! لن أفعل، لن أطلقك وإن تحملت في سبيل إمساكك أضعاف ما تحملت، كلا، لن أنيل هذا الجاحد للأخوة الخائن للصداقة ما يريد، أوتستطيعين أن تقولي كيف عرفته؟ أولم يكن صديقي الحميم وأنا الذي قدمته إليك وائتمنته على شرفي وعرضي، واتخذت منه أخا فخان مودتي، وتسلل إلى قلبك مكاني؟! يا له من غادر مخادع! إني أحذرك مغبة السير وراءه، والانخداع بمعسول كلامه، إنك لا تزالين في أعين الناس السيدة المحترمة الشريفة التي تحمل اسمي، فلا تدعي هذا الماكر الخائن ينفث في فؤادك سمومه، ويدع الناس يتقولون عليك ما أنت بريئة منه، ويتهمونك باطلا وأنت الطهر والعفاف والكرامة والشرف.»
وهنا بدأ الرجل يضطرب كأن به الحمى، وأمسك برهة عن الكلام، ولم أجد وهو في هذه الحال ما أجيبه به، فقد غلبتني الرأفة بحاله، وخشيت إن أنا قلت شيئا أن يزداد اضطرابه.
وبدأ عليه شيء من الهدوء الظاهر، لكن نفسه كانت تتعذب، وكانت عيناه تنمان عن هذا العذاب الذي يتأجج في صدره، ولقد مر بخاطري في أثناء صمته أن تمنيت لو أنه ثار هذه الثورة منذ شهور وسنين، وتمنيت لو أنه يومئذ حطم كبريائي وإن أدت به الحال أن يضربني، فلو أنه فعل يومئذ لاعتقدت أن لي عنده مكانا، وأنه يريد أن يدافع عني غيرة علي، وإني لتمر بي هذه الخواطر وأشباهها إذ رأيته يمد يده ويسحب يدي في رفق ويقول، وقد تندت عيناه وانخفض صوته: «بالله خبريني، لم تعاملينني هذه المعاملة؟! إني لا أزال أحبك كما أحببتك يوم زواجنا ومن قبل زواجنا، وهذا الحب هو الذي يجعلني أحتمل منك ما لا يمكن - لولا الحب - احتماله، أويرضى قلبك أن ينخدع بصديقنا فينكر ماضينا، وينكر أبوتي لطفلينا؟ بالله عليك! بحق هذين الطفلين العزيزين، إلا ما راجعت نفسك، واتقيت الله في نفسك وفينا جميعا.»
Page inconnue