Ainsi je fus créé: une longue histoire
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genres
قلت عبارتي الأخيرة في ثورة غضبي حاولت أن أكظمها فلم أنجح، وأبت كبريائي على أن أصيح لأنفس عن نفسي، واستلقيت منهدة في مقعدي، وانهمرت الدموع من عيني، وأخذت أبكي بكاء الطفل، وأراد زوجي أن يسكن روعي فدفعته عني ملقية نظري إلى الأرض؛ لأني كرهت أن أرى وجهه. ووقف الرجل قبالتي وانتظر حتى هدأ روعي بعض الشيء، ثم نظر إلي نظرة إشفاق وقال: «أولو كان بيني وبين صديقتك من الود ما تنزعجين له، أفكنت أنظر مغتبطا لزواج صديقنا منها، لينقطع الود بيني وبينها، أم كنت أصنع صنيعك فأفسد هذا الزواج لتخلص لي؟ لقد كنت أحسبك أوفر ذكاء من أن تضل الغيرة الحمقاء بصيرتك، وتدفعك إلى صنيع غير لائق بأمثالك!»
قلت وقد غالبت نفسي حتى ملكت ما استطعت روعي: «أنت تتهم ذكائي وتحسب حجتك تقنعني، كلا يا سيدي، أنت تعلم كما أعلم أنها إذا تم زواجها بصديقنا فسيفتح هذا البيت أمامها على مصراعيه، وسيكون لك من الحرية في استدامة ودها أضعاف ما لك اليوم، ولن أستطيع أنا يومئذ أن أقول شيئا، فتخير إن شئت حجة أخرى أجدر بقدرتك على استنباط الحيل!» قال وقد كاد يخرج عن طوره: «يا عجبا! أوبلغ من الحطة أن يسلب رجل زوجة صديقه، أو تسلب امرأة زوج صديقتها؟! ذلك أمر لا يمكن أن يدور بخاطري، وأنت فوق ذلك تعلمين أن لك عندي من المكانة ما كنت أحسبه يسمو بي عندك فوق كل شبهة، لقد أصفيتك وأصفيت أولادنا حبة قلبي، فإن كنت في ريب من ذلك فالذنب ذنبك لا ذنبي!»
ثم إنه أخذ بمجامع بدني وجذبني نحوه، وضمني إليه ليسكن من ثائرتي، ولم أستطع إزاء عطفه ورقته أن أتابع المعركة، وإن شعرت بأن شيئا بيننا قد تحطم، وأن حياتنا الهانئة الهادئة قد أسدل عليها ستار كثيف.
وبعد أيام جاءني صديقنا، ولا تزال عليه آثار العلة، فلما رأيته امتلأ قلبي رحمة وشفقة، وشعرت أني أثمت في حقه، فلما استقر به المجلس وتناول بعض المرطبات قال: «جئت اليوم أسألك وأرجوك أن تجيبيني في صدق وصراحة، إني أعرف صديقتك منذ سنين، وأعرف خفتها، لكني لم أعلم أن هذه الخفة جنت قط على عفتها أو على وفائها لزوجها الأول، فهل تستطيعين أن تذكري لي بشرفك أنك تعلمين غير ما أعلم»، وأحسست من نبرة صوته أنه يريد أن يضعني موضع الاتهام فقلت: «وما شأني أنا بهذا؟ إن كنت تريد أن تتزوجها فلست أنا التي أمنعك من زواجها، إنما دفعني الوفاء لصداقتك لنا على أن أفتح عينيك على ما أعرف، فإن لم تجد فيما رأيت ما يريبك فأنت أعلم بما يسرك وما يسوءك، وأنا لا أعرف عن صديقتي أكثر مما تعرف أنت عنها، وأنت كنت تعرف زوجها ولم أكن أعرفه، وكنت تزوره يوم أسكنها الضواحي ولم أكن أزورها، فلا تسلني عما لا علم لي به، وأنت صاحب الشأن في زواجك منها بعد أن انقطعت صلتي بها.»
وتركني صديقنا وخرج، تركني حيرى أنعى ما فرحت به من نجاحي، وأنعى إخفاقي المشين، وأنعى ما تحطم بيني وبين زوجي، وأنظر إلى المستقبل بعين كلها اليأس والأسى. والحقيقة أني لم أكن أعلم عن صديقتي برغم خفتها ما يجرح عفتها، فأي شيطان دفعني إلى ما أقدمت عليه، وما نفر مني كل من أحب، وضرب حولي نطاقا وجعلني أدور حول نفسي في عزلتي، كما يدور الحيوان المفترس الحبيس في قفصه؟
أولو تزوج صديقنا صديقتي برغم ما رأى، فماذا يكون موقفي منه ومنها ومن زوجي؟ وإذا حدث ذلك ودعيت مع زوجي لحضور قرانهما فماذا أستطيع أن أفعل؟ أأدعه يذهب وحده فيصدق الناس ما أذاعته من أني أحب زوجها، وكنت أريد أن يطلقني زوجي لأتزوجه؟ أم أذهب معه قطعا لألسنة الناس؟ وإذا ذهبت فبأي وجه ألقاها؟ مرت بخيالي أمثال هذه الأسئلة المحرجة حتى ضقت ذرعا بها، وحتى أظلمت الدنيا في عيني.
وهب صديقنا لم يتزوج فهل تظل صلته بي كسابق عهده في الأيام الأخيرة إذ كان يزورني في غرفة نومي وأنا في سريري، أم تراه ينقبض عني ولا يلقاني إلا بحضرة زوجي كما كانت الحال من قبل؟ وبأي وجه ألقى الناس في الحالين: حال إقباله وحال إعراضه؟ فهم لا ريب سيقولون وسيعيدون، ولن تفتأ صديقتي تذيع ثم تذيع لتجعلني أحدوثة المجتمعات، يتندر بقصتي المتندرون، ويرثي لحالي الشامتون، ويذهب من شاء مذاهب أيسرها أن الحب والغيرة دفعاني لأزدري ما تقضي به المروءة، وتفرضه الصداقة.
وعدت أسأل نفسي: أي شيطان وسوس إلي ما أقدمت عليه؟ فلو كنت أحب صديقنا حب غرام وعشق لكان حبي إياه عذيري عن مؤامرتي، أو لكنت التمست وسيلة أخرى لإرضاء حبي، ولكني لا أحس نحوه بنار الحب المحرقة التي تبيح لمن تحب أن تفعل ما فعلت، إنني أغتبط بمجلسه وبحسن إصغائه، لكنه ليس وحده الذي يتمتع عندي بهذه المنزلة، بل إن غيره من أصدقائنا المهذبين المثقفين من أحب مجالستهم، وأغتبط بإصغائهم وإعجابهم بحديثي، وإن قل منهم من كان مثله كامل الرجولة جم الوفاء.
وإذا لم يكن حبي صديقنا حب غرام دافعي إلى فعلتي، أفكانت غيرتي على زوجي ومخافتي أن تغصبه صديقتي مني هي هذا الدافع؟ لقد ابتسمت ساخرة حين عرض لي هذا السؤال، فزوجي آخر من تغار امرأة عليه، لقد تزوجته فرارا من زوج أبي، ومن بيت أبي، وتزوجته طفلة غريرة لا أعرف شابا غيره، فأصفيته ودي، ومنحته قلبي، وشعرت بأنه يبادلني حبا بحب وودا بود، وربما دام شعوري ذاك لو أن الدنيا بقيت كما كانت فلم أعرف رجلا غيره، لكنني ما لبثت بعد سنوات قلائل أن رأيته يحبني بحكم الواجب لا من أعماق قلبه، ورأيت في طبيعتنا تفاوتا ينأى به عنه، فليس عنده من الطموح ما عندي، وليست فيه رجولة العقل أو القلب، أو أي من ألوان الرجولة التي تجعل المرأة تتعلق بالرجل وتفنى فيه، إنه طيب بالغ الطيبة، فيه صفات رب الأسرة العطوف الذي يبذل غاية جهده لإرضاء أسرته، لكنه ليس بالرجل الذي يثير الغيرة؛ لأنه لا يعرف الحب الذي لا يرضى بما دون قلب المحبوب وعقله وروحه وجسمه ليملكها جميعا ملكا تاما مطلقا.
ما الذي دفعني إذن إلى ما فعلت؟ لا أدري، وهأنذي أشعر الآن بأني خسرت المعركة، وأضعت كل شيء، أضعت حتى كرامتي، وأذللت نفسي، وكانت أعز من أن تذل لإنسان، وهأنذي أشعر بالعزلة وكأني من الحياة في سجن مظلم، حتى أطفالي أشعر حين أراهم أني غير جديرة بأن أقبلهم، لقد خانني ذكائي فلم أقدر لكل هذه العواقب، إنني تعسة، وليس على الأرض امرأة أتعس مني.
Page inconnue