Ainsi je fus créé: une longue histoire
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genres
وكنت قد أعددت لسفرنا إلى أوروبا ما أرضاني، وسافرنا وقضينا هناك صيفا ممتعا حقا. وقد ألفت حياة الفنادق الكبرى، واغتبطت بها لأنها كانت تعفيني من تدبير المنزل وما يقتضيه من مشقة، ولأنني كنت أرى من نزلائها أشخاصا أستريح إليهم وأطمئن إلى معاشرتهم، من هؤلاء سيدة أمريكية رقيقة ساحرة الحديث، بلغت رقتها أن كانت تبدو ناحلة الجسم حائلة اللون بعض الشيء، ولكنه شحوب يزيدها رقة، ويزيد حديثها أثرا في النفس، ويدعو للطف بها والميل إليها، وقد اتصلت بيني وبينها مودة اقتضتني أن أسأل عنها كلما قيل لي إنها لم تترك غرفتها، وسمحت لها أن تدعوني إليها إذا لزمت سريرها لتستريح من تعب ألم بها، وكنت أجد عندها أحيانا من أصحابها من تسلي بحديثهم وحدتها، وقد سألتني يوما أن أدعو زوجي معي ليعودها وليصف لها دواءها، وكان زوجي يصحبني بعد ذلك أحيانا إليها، وإن لم تكن في حاجة إلى طبه وعلاجه.
وكانت هذه السيدة تتزين في سريرها أجمل زينة وأبرعها، ولست أبالغ إذ أقول إنها كانت أكثر عناية بزينة سريرها منها بزينة خروجها ونزهتها، وكانت ملابس سريرها آية في الجمال وحسن الذوق، كانت قمصان نومها من حرير رقيق مطرز أبدع تطريز، وكانت ألوان هذه القمصان هادئة: سماوية أو وردية أو بنفسجية أو ما إليها، خلا قميصا أحمر قانيا كانت تلبسه أحيانا، وقد سألتها يوما عن تباين هذا القميص القاني مع سائر لباسها، فقالت: «إنما ألبسه حين يدمى قلبي ليعبر بلونه عن دخيلة نفسي»، وكانت كثيرا ما تضع على رأسها لباسا ينسجم مع لون وجهها، ولون قميصها، ويظهرها في براءة الطفل المدلل، ويزيدها بذلك إغراء وفتنة.
وكنت أحب في هذه السيدة كل شيء إلا حبها الشراب، وإن قل ما رأيتها متأثرة به، فقد كانت إذا تنصف الليل لا تطيق صبرا على كئوس تحتسيها، ولو كانت في سرير نومها، وقد دعتني غير مرة لمشاركتها في شرابها فاعتذرت ولم أقبل، وكانت إذا أطلق الشراب لسانها تروي من هموم حياتها ما يثير الشفقة بها، هذا مع أنها كانت تنفق عن سعة تشهد بواسع ثرائها، وبأن المال وحده لا يذيب الهموم، ولا يكفل السعادة.
وكانت هذه السيدة تعرف من دقائق الجمال الذي تتزين به الطبيعة في أرجاء أوروبا المختلفة ما لا يعرفه إلا الأقلون، وقد أشارت علينا بجولات في أرجاء النمسا وشمال إيطاليا وفي بلاد الشمال الأوروبي لم نستطع ذلك الصيف أن نتمها جميعا، ولكن متاعنا بما رأيناه فاق كل ما كنت أتصور، فلما كنا في الأيام الأخيرة من شهر سبتمبر عدنا إلى القاهرة، وأنا أحسب لانتقالنا إلى منزلنا الجديد ألف حساب.
ونزلنا القاهرة فإذا بالإصلاح المطلوب في المنزل لم يتم كله، وإذا ما تم منه لا يعجبني، وأبديت رأيي في ذلك بطريقة أغضبت الصديق الذي تولى الإشراف على الإصلاح في غيابنا، وقد كان يتوقع أن نشكره لا أن نلومه، وأدى به الغضب إلى الإقلال من التردد علينا، وساء زوجي غضبه وانقطاعه، لكن رأيي في الأمر كان حاسما!
قال زوجي: «وما العمل الآن؟ إن منزلنا الأول قد سكنه مستأجروه الجدد، وأثاثنا كما تعلمين مودع في مخازنه.» قلت: «ذلك شأنك، فإن شئت بحثنا عن مسكن آخر، وإن شئت نزلنا في الفندق حتى يتم إصلاح هذه الدار التي استأجرتها.» فذهب إلى الدائرة المؤجرة، ثم عاد يقول: إنهم وعدوني أن يتم الإصلاح في شهر، فلا حاجة بنا إلى البحث عن منزل جديد، وقد اتفقت مع إدارة «مينا هاوس» لنقيم فيه ريثما يتم الإصلاح.
واغتبطت بما سمعت، ونزلنا «مينا هاوس»، وكم سعدت بأيام مقامي هناك، وإن شقيت بعد ذلك بمعقباتها. كان زوجي يستيقظ مبكرا، ويتناول فطوره في غرفة الطعام، ويذهب إلى عمله، فإذا أردت الذهاب إلى المدينة لبعض شئوني أو لأرى ما تم في منزلنا الجديد، طلبت السيارة فأقلتني إلى حيث أشاء، ثم عدت بها مع زوجي إلى الفندق. وكنت قلما أغادر «مينا هاوس» بعد الظهر، إلا أن نجيب دعوة إلى الشاي أو العشاء في المدينة، وكان كثيرون من أصدقائنا يزورننا بالفندق، وكنت أشعر في بعض الأيام بالتعب، فلا أرى بأسا من أن أستقبل في غرفة نومي أية صديقة تحضر لزيارتي، فإذا كان معها زوجها لم أر بأسا بأن يصحبها إلى غرفة النوم، واضطر زوجي إلى قبول هذا الوضع حين ذكرته بأنه كان يصحبني أحيانا في زيارة الأمريكية ونحن في أوروبا، واقتضاني هذا الوضع أن أحاكي الأمريكية في زينة سريري، وقد جعلت من غرفة نومي بهو استقبال يحضر إليه الرجال مع زوجاتهم، وإن لم أكن قد تسامحت بعد في أن يصعد إليه الرجال وحدهم.
وكان الإصلاح يسير في منزلنا الجديد ببطء شديد، ولعلي كنت مسئولة بعض الشيء عن هذا البطء، وقد تخطت مسئوليتي البطء إلى نفقات الإصلاح ، ذلك أنني قدرت أن هذا المنزل سيكون مسكنا لنا سنوات عدة، ويجب لذلك أن يبلغ الإصلاح غاية ما يرضينا؛ لذا كنت لا أقر الكثير مما قاموا به وسموه إصلاحا، وكنت أطلب إعادة العمل على الوجه الذي أستريح له، فإذا قيل لي إن الدائرة لا يمكن أن تتكفل بهذا، قلت: «لا يهم، نفذوا ما أطلب على نفقتنا.»
وتحدث إلي زوجي يوما أنا ندفع أجر المنزل أول أكتوبر؛ أي منذ عدنا من أوروبا، وندفع أجر الفندق وملحقاته، وندفع نفقة ما أطلب من إصلاح لا تلتزم الدائرة به، وأن في ذلك إرهاقا لنا طال أمده.
قلت: «فيم إذن كان تفكيرك في انتقالنا إلى مسكن جديد إذا كان هذا المسكن لا يرضي ذوقنا؟ لقد كان خيرا لو بقينا في مسكننا القديم إذا لم نشعر نحن، ولم يشعر الناس جميعا بالفارق الكبير بين السكنين، وسيتم الإصلاح عما قريب، وتنتهي نفقاته ونفقات الفندق، وينتهي بذلك ما نشكو منه.»
Page inconnue