Ainsi je fus créé: une longue histoire
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genres
وطالب النساء بعد ذلك بألوان من الإصلاح الاجتماعي أقرهن الرجال عليها، ورأوا فيها للمجتمع صلاحا وخيرا. وبهذه الحكمة وهذا الاعتدال استطاعت الثورة الاجتماعية التي تمخضت عنها تلك المظاهرة السياسية الأولى أن تحطم الحجاب، وأن تفتح أمام الفتاة وأمام المرأة أبوابا كريمة كانت من قبل موصدة في وجهها، ولعلنا - نحن النساء - نستطيع بهذه الحكمة أن نحقق لأنفسنا وللرجال وللمجتمع المصري كله غاية ما تصبو الشعوب المتحضرة إليه من رقي وتقدم.
استدار العام منذ مولد طفلتي، فإذا أحشائي تتحرك بأمومة جديدة، ورزقت هذه المرة غلاما كان قرة عين لي ولوالده، برغم وضع متعسر أشرف بي على الموت، ولهذا شعرت بأنني أديت للإنسانية وللجماعة المصرية ما لهما علي وعلى زوجي من حق بعد أن أنجبت هذين الطفلين، وعاهدت نفسي أن أقف بأمومتي عند هذا الحد.
وقد وفيت بالعهد وإن كنت أعترف بأن نفسي نازعتني غير مرة إلى نقضه، وفي كل واحدة من هذه المرات كنت أقاوم غريزة ليست مقاومتها أمرا يسيرا، ولست أدري أكان ما قاسيت حين مولد غلامي هو الذي شجعني على هذه المقاومة، أم شجعني عليها اعتبارات أخرى كنت أراها رأي العين، ولا يحسب كثيرات من النساء لها حسابا، بل إني لأعرف من هاتيك الكثيرات من لا تكاد تضع حملها وتتخلص من آلام ولادتها حتى تبتسم رجاء أمومة جديدة، وكأنها تجد في ألم الوضع لذة، أو كأنما يعوضها الطفل الذي تنفرج عنه أحشاؤها عن كل ألم، وكأن ما يجشمها هذا الطفل من مشقة هو لذة حياتها وكمال سعادتها.
والعجب أن النسوة اللاتي يتولين بأنفسهن شئون أطفالهن ولا تسمح وسائلهن بالاستعانة بمربية أو خادم هن اللواتي تتحكم فيهن غريزة الأمومة، ولا يفكرن في مقاومة سلطانها القاهر، مؤمنات بأن ذلك من أمر الله، وأن الأطفال عطاؤه المحبب. وقد يكون لهاتيك المؤمنات عذرهن بإيمانهن، أما بنات طبقتي المستسلمات لغريزة الأمومة، العاجزات عن مقاومتها بعد أن يرزقن طفلين أو ثلاثة، فهن في نظري أعجب وأغرب؛ لأنهن لا يدعن أطفالهن للطبيعة كما تفعل الأوليات، وتربية الطفل أشد عسرا من حمله وميلاده ألف مرة.
وكان حرصي على عهدي أول ما اشتد الخلاف عليه بيني وبين زوجي، فقد كان يؤمن إيمان العجائز بأن كل طفل يأتي ورزقه معه، وبأنه هو الذي يكد لحياة الأسرة، وبأنا يجب ألا نعترض إرادة الله! وكنت أجيبه بأن السعي للرزق لن يزيده إرهاقا، وبأني أنا التي أحمل مشقة الأطفال حملا ورضاعة وتربية؛ لأني لا أستطيع أن أدع طفلي لمرضع، ولا أن أعتمد الاعتماد التام على المربية التي عندنا، برغم ثقتي التامة بها.
وقد تكرر اختلافي مع زوجي في هذا الأمر غير مرة في فترات متباعدة امتدت بضع سنوات، وكان كل منا يسوق خلال جدله ألوانا من الحجج لا تخلو من طرافة، كان زوجي يقول لي أحيانا: أوتأمنين غدرات القدر بأحد هذين الطفلين أو بهما جميعا؟ وكنت أجيبه: وهل تأمن غدر القدر بك أو بي أو بنا معا فييتم أطفالنا؟ أولا ترى أنهم كلما كانوا أقل عددا كان رزؤهم فينا أخف حملا؟
وكان يقول لي: لقد نشرت الصحف اليوم أن فرنسا قررت للأسر التي يزيد أبناؤها على طفلين مكافأة يرتفع قدرها كلما زاد عدد الأطفال.
وكنت أجيبه: إنما تريد فرنسا زيادة سكانها لتزيد في الجيش، ولتزداد الأيدي العاملة عندها، ولا أحسبنا أنا وأنت نريد أن يكون أبناؤنا جنودا أو عمالا.
فلندع هذه المكافأة، وهذا الفخر للمؤمنات بأمومتهن، واللاتي جعل القدر من حظهن وحظ ذريتهن أن يكونوا جنودا أو عمالا، أو ممرضات أو عاملات.
وكان إذا مرض أحد طفلينا، ورآني نازعتني غريزة الأمومة وطمع في أن أضعف أمامها، أظهر لي من الحب والحنان ما أكاد أنهزم دونه، ولكنني سرعان ما كنت أستجمع قوة المقاومة، وأسمو بها فوق ضعفي ونوازعي، وأقف بها إلى جانب عهدي.
Page inconnue