قال: «تركته في المسجد وجئت للبحث عنك، فهل أدعوه إليك؟»
قال: «بل أذهب إليه.» وهم بالخروج فرأى أهل الدار في هرج ومرج يزاحم بعضهم بعضا كأنهم يوسعون الطريق لقادم عظيم، فوقف مع الواقفين وسأل أحدهم عن القادم، فقال له: «إن ذات النطاقين قادمة إلى دار الأضياف.»
فعلم أنها أسماء بنت أبي بكر، أم عبد الله بن الزبير، وكان يحسبها قد ماتت لكبر سنها؛ لأنها ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة. فهي يومئذ قد بلغت المائة من عمرها. وكانت مشهورة بكبر العقل وسعة الصدر وصحة الدين. فأحب أن يراها، فجعل يتطاول حتى أقبلت فإذا هي قد احدودب ظهرها وعميت، وجاءت تتوكأ على عكاز، وبجانبها رجل يسندها ويرشدها إلى الطريق. ورأى الناس يدنون منها ويقبلون أطراف ثوبها تبركا بها. حتى إذا أقبلت على موقف خدم الدار قالت لهم: «خافوا الله ولا تبخلوا على عباده بالطعام وإن كان قليلا في الأسواق فإن الله كفيل بطعام الغد.»
فعجب حسن لاهتمام أم الخليفة بأمر الأضياف على عجزها وضعفها، ولكنه تذكر ما يقال عن بخل ابنها عبد الله فظنها جاءت تحث الخدم على إكرام الضيوف لاعتقادها أن ذلك يدفع البلاء عن أهلها. ولا شك في أنها كانت قلقة على ابنها عبد الله لعلمها بما يتهدده من الخطر العظيم.
وبعد أن مر موكب ذات النطاقين، خرج حسن ومعه بلال وسارا إلى المسجد، وسارع حسن إلى لقاء أبي سليمان. فحياه وقال: «ما وراءك يا عماه؟»
قال: «إن ما ورائي ذو بال يا بني.»
فبغت حسن وقال: «وما هو؟ قل يا عماه. هل أصاب سمية سوء؟»
قال: «لم يصبها سوء ولكنها جاءت إلى مكة.»
قال حسن: «جاءت إلى هنا؟ وأين هي؟»
قال: «اصبر ريثما نجلس في بعض جوانب المسجد على انفراد وأقص عليك الخبر.» وكان المسجد خاليا من الناس خوفا من حجارة المنجنيق، فانتحيا ركنا فيه، وحسن في قلق شديد، فلما جلسا قال: «قل يا عماه أين سمية الآن فقد نفد صبري؟ وكيف جاءت مكة؟»
Page inconnue