قال: «وكيف حالها؟» قالت: «إنها في حال تدعو إلى الرثاء حزنا عليك، وخوفا من ذلك الظالم ولا سيما بعد أن فرغ من الحرب، وقتل ابن الزبير، فتحلل بذلك من قسمه.»
فاضطرب حسن وهم بالدخول إلى الخباء ولكنه خشي أن تسيء البغتة إلى سمية فقال لأمة الله: «ادخلي وأنبئيها بقدومي لنخرج معا من هنا الآن.»
فدخلت أمة الله، ولم يصبر حسن إلا قليلا ثم دخل في أثرها فوجد سمية جالسة وهي تفرك عينيها بأناملها وتنظر إلى أمة الله وتقول: «أصحيح ما تقولين؟ حسن هنا؟! حسن جاء؟! لا ... لا ... إنك تمزحين، أو أنا في حلم!»
ولاحظ أنها قد تغيرت وامتقع لونها لفرط ما قاسته، فازداد خفقان قلبه، وأجابها بدلا من أمة الله فقال: «بل أنت في يقظة يا حبيبتي، وها أنا ذا جئت لإنقاذك، هلم بنا نخرج الآن من هذا المعسكر. هيا يا سمية فإن الوقت ضيق والخطر قريب.»
فوقفت وركبتاها تصطكان، ولبست نعالها والتفت بعباءتها، وقالت وهي ما زالت مذهولة: «ما أحسن هذا اللقاء! هلم بنا.»
وكانت أمة الله مشتغلة بأخذ بعض الطعام للتزود به خلال الرحيل، ولكنها كانت أكثر منهما انتباها لما حولها. فسمعت وقع حوافر خيل قادمة من بعيد فأسرعت إليهما وهي تقول: «لقد جاء الفرسان. وأظنهم الحراس الذين كانوا حول الخباء بالأمس.»
فلما سمعت سمية وقع ذلك التفتت إلى حسن وقالت وصوتها يرتجف: «حسن. حسن. لا تخرج فإنهم إذا رأوك خارجا اشتدت شبهتهم فيك ... لا تخرج. وإذا كانوا قد جاءوا للقبض عليك فلنمت معا.»
فثارت الحمية في رأس حسن، وهان عليه لقاء الألوف تفانيا في الدفاع عنها فقال: «لا عاش من يمسك بسوء وأنا حي.»
وشعروا باقتراب الخيل من الخباء، وكان الليل قد سدل نقابه وبدأ الظلام يتكاثف فأمسكت سمية بيد حسن ، وقالت وهي ترتعد: «إما أن نعيش معا ، وإما أن نموت معا.» ولا تسل عن خفقان قلبيهما تأثرا للقاء الفجائي وما صحبه من بواعث الاضطراب لقدوم أولئك الفرسان. فبقيا واقفين صامتين، وقد امتقع لونهما وتصبب العرق من وجهيهما وارتعدت فرائصهما، ومع ذلك كان حسن يشعر بأنه أشد بطشا من الأسد، وبأنه قدير على إنقاذ سمية من جيش بأكمله. وكذلك كانت سمية قد أنساها اللقاء كل خوف على نفسها، وأصبح كل همها ألا يصاب حسن بسوء، فأمسكت به وهي لا تدري أتحرضه على الفرار بنفسه ولا صبر لها على فراقه بعد هذا اللقاء، أم تفر هي معه وفي فرارها خطر عليه، أم تستبقيه في الخباء معها وفي بقائه تهمة كبرى؟
مرت كل هذه الهواجس بهما في لحظة انتظارهما وصول الفرسان القادمين، ومعرفة ما وراءهم، فلما وصل الفرسان إلى الخباء، أحدقوا به من جميع الجهات ولكنهم ظلوا مرابطين خارجه، كما كانوا بالأمس، فاطمأن قلب حسن ورجح أن قدومهم ليس لشبهة أو تهمة جديدة. فأخذ يهدئ روع سمية حتى سكن جأشها، وقضيا ساعة يتبادلان الأحاديث، وقد نسيا الحجاج وفرسانه، وحسبا أنهما في مكان غير ذلك المكان، بل خيل لهما أن أولئك الفرسان إنما هم ملائكة من السماء جاءوا لحراستهما، في تلك الساعة التي تزيد قيمتها عندها على قيمة الحياة كلها. •••
Page inconnue