قضى حسن أياما على هذه الحال، ثم حدث أن رأى نفسه فيما يرى النائم وكأنه يقول لبلال خادمه الذي تركه في مكة: «إذا استبطأتني فاطلبني في معسكر الحجاج.» فلاح لحسن أن يكون بلال جاء المعسكر ولم يعلم بمكانه. فلما دخل عبد الله عليه ذكر له هذا الأمر ووصف له بلالا وقيافته فقال عبد الله: «رأيت في هذا المعسكر عبدا أظنه هو الذي تعنيه ويظهر أنه يفتش عن ضائع ولم ينتبه له أحد؛ لأن الحجاج وحاشيته وسائر الأمراء يتأهبون للهجوم على ابن الزبير مرة واحدة، ولولا ذلك لكشف عرفجة أمره واتهمه بالجاسوسية.»
فقال حسن: «يهمني أمر هذا العبد، فاستقدمه إلي على عجل.» فخرج عبد الله فرأى بلالا فاغتنم اشتغال الناس بالتأهب وجاء به إلى السجن متظاهرا بأنه يحمل له طعاما، فقال بلال لحسن: «لقد بحثت عنك حتى يئست من لقائك وكدت أرجع خائبا. فالحمد لله على أني رأيتك ولو في السجن ...»
فقال حسن: «وماذا وراءك؟»
قال: «جئت إليك في مهمة مستعجلة وأخشى أن يكون قد فات أوانها.»
قال: «وما هي؟»
قال: «استدعاني ابن صفوان إلى منزل عبد الله بن الزبير في مكة وسألني عنك، فلما أجبته بأنك لم تعد بعد قال: «إن أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير يحب أن يراك لأمر ذي بال خاطبه في شأنه منذ بضعة وعشرين يوما، وهو يريد الآن أن يعهد إليه في أمر مهم.» فجئت على عجل وقد قضيت ثلاثة أيام في البحث عنك حتى جاءني عبد الله كما رأيت.»
فقال حسن: «ابن الزبير يطلب أن يراني في مكة؟!»
فقال: «نعم يا مولاي وقد ألح علي كثيرا، وقال إن الوقت ضيق.»
فأطرق حسن وأعمل فكرته فتبين له أن ابن الزبير إنما طلبه في شأن خطبة أخته رملة لخالد بن يزيد، وتذكر أنه إنما جاء الحجاز لأجل هذا الأمر، ولكنه لم يدر كيف يجيب الدعوة وهو سجين، فالتفت إلى عبد الله وقال: «إنك عرضت علي منذ أيام أن تخرجني من هذا المعسكر، فهل تستطيع هذا اليوم؟»
قال: «ذلك سهل علي في أي وقت تشاء، وإني أفديك بروحي.»
Page inconnue