وتمطى الإله «فرنسوا»، وهو الإله العملاق الذي قتله الإله «جرمانيوس» بضربة من قبضته، وأعادته إلى الحياة الآلهة التي تكاثرت على «جرمانيوس» فدحرته، ولكن «فرنسوا» - وقد قتل عملاقا - بعث قزما بدون ذراعين، قال «فرنسوا » لعريف الآلهة: سيدي! أعدني إلى البشر حاكما عليهم، وإني أعدك بأن أمزق أعلامهم، وأذلل نفوسهم، وأطرد طعبروسهم، وأفتل ألسنتهم، فلا يتكلمون إلا اللغة التي تريد، وإني فوق ذلك منتزع من كوارتهم ما فيها من مئونة ينعم بها مولاي العريف وأصفياؤه من الحاشية.
غير أن عريف الآلهة أعتاد ألا يصغي إلى «فرنسوا»، ولكن أذنه اشرأبت؛ إذ سمع كبير الحكماء يقول: مولاي ... متى دخل إله قلب المرء ورأسه، وسرى على لسانه، فمن العبث محاولة طرده برجال البوليس، إني على ثقة أنه لن يطرد هذا المارق طعبروس إلا فنانونا، إني أشير على سيدي أن ينادي على النحاتين يبنون التماثيل لطعبروس، تنصب في ساحات الكرة الأرضية، ثم فليرسمه نبغاء مصورينا ولتعلق صورته في كل بيت، كذلك ليصفه كتبتنا وشعراؤنا.
فقلب عريف الآلهة شفتيه ساخرا غاضبا، وقال: ما كنت أحلم أن أعيش إلى يوم أسمع فيه الحمق من فم كبير الحكماء، ها أنا أريد الفتك، يا له شرير يعبدونه، وأنت تقترح التمثال والصورة والقصة والقصيدة لتفخيمه؟
أجاب كبير الحكماء: إني أبغي من ذلك إظهاره للناس ليروه، إن الناس لا يعبدون ما يرون ... إنهم يعبدون ما لا يرون!
وغطس عريف الآلهة في بحيرة التفكير، وراح يسبح حينا، ثم خرج منها مبتهجا، وأعلن أن رئيس الحكماء على صواب، فمتى رأى الناس طعبروس طردوه، لا سيما وقد فرغ برميله من النفط، فلن تخفى أقذار يده، وخلت يده من براءة توظيف يذر رمادها في العيون، ونادى على الفنانين ففرق عليهم جبال المرمر، وأوتار قلوب البلابل، وحفنة من قوس القزح، ونفخة من ريش الحساسين، وعبأ جراباتهم بأغاريد أطفال الملائكة، وصاح: عليكم بطعبروس، هذا عتاد الحرب والنصر بين أناملكم.
حفنة ريح
مهزلة في فصل واحد
بيروت سنة 1950
غرفة أثاثها غوغاء، في منتصف المسرح - إلى الأمام - صحارة قائمة على جانبها الضيق، وفوقها قطعة خشب ضخمة تستعمل في المطابخ؛ إذ يقطع عليها اللحم والخضار، على قطعة الخشب سكين مطبخ، وأشياش عارية، وخلف تلك الطاولة (الصحارة) فوتويل مثلث المقاعد ممزق، خاض الكثير من معارك الحياة، على يمين المسرح طاولة (صحارة) ثانية عليها آلة تليفون، على يسار المسرح فتى موسيقي يدوزن عوده، بضعة كراسي مبعثرة هنا وهناك بعضها مقلوب، في منتصف الحائط الذي يواجه النظارة باب صغير عليه ستارة ممزقة إلى يمين النظارة، يلاصق الحائط الخلفي سرير هو ثلاثة ألواح خشبية متمددة على ثلاث صحاحير، ناموسية السرير مرفوعة، على جوانب السرير، وعلى الناموسية كلسات، وربطة رقبة، وطربوش، وبنطلون وكلسون، إلى اليسار - فيما يلاصق الحائط - حذاء الباب الخلفي، مغسلة مهشمة عليها مرآة مكرسكوبية، وعلى المغسلة فرشاة أسنان وفرشاة ثياب وبعض أدوات الزينة، في منتصف المسرح طاولة صغيرة عليها مزهرية بدون زهور، على الأرض بقايا سكاير وقشر ليمون وزجاجات فارغة.
على السرير، يتقلب وجيه في بيجامته.
Page inconnue