Hafiz Najib : l'adib al muhtal
حافظ نجيب : الأديب المحتال
Genres
11
وإذا تركنا كتاب «الناشئة»، إلى الكتب الاجتماعية الأخرى لحافظ نجيب، سنجده عرب ونشر قبل عام 1923 كتابين: الأول «دعائم الأخلاق»، والآخر «مناهج الحياة». والكتاب الأول يعتبر من الكتب المجهولة، ولا نعلم عنه أي شيء، سوى ما أعلنه حافظ نجيب، بأنه عرب كتابا بهذا العنوان!
12
أما كتاب «مناهج الحياة»، فقد نشر ضمن المجلدات السبعة لروايات جونسون، وتحديدا في نهاية المجلدين الثاني والثالث. وللأسف الشديد هذه المجلدات غير موجودة بصورة كاملة في دار الكتب المصرية، والمجلد الوحيد الموجود، غير صالح للاطلاع! وبناء على ذلك، لا نستطيع الحديث عن هذين الكتابين، سوى أنهما من الكتب الاجتماعية، قام حافظ نجيب بترجمتهما أو تعريبهما!
أما في عام 1923، فقد أصدر حافظ نجيب آخر كتبه المعربة، وهو كتاب «الغرور» لماكس نوردو، ونشرته مطبعة المعارف. وهذا الكتاب عنوانه الأصلي «نقد المدنية الحاضرة ونظم الهيئة الاجتماعية»، وتدور أبحاثه حول النظم الاجتماعية والاقتصادية. وفي كلمة المعرب، وضح حافظ هدفه ومنهجه من تعريب هذا الكتاب، قائلا: «ليس هذا الكتاب ترجمة صحيحة لما كتب ماكس نوردو؛ لأنه كاتب ملحد، وما تضمنه كتابه من النظريات والآراء بني على الإلحاد. وفي نشر الكتاب بالصورة التي كتب بها ضرر عظيم، يؤثر في عقول النشء، والذين لم يتمكنوا من التعاليم الدينية، تمكنا يحفظهم من تأثير قوة المؤلف في هدم المعتقدات والأديان السماوية. لم أكن أمينا في النقل عن ماكس نوردو للسبب المتقدم، فاخترت من كتابه ما راقني من النظريات والانتقادات والآراء ونشرتها في هذا الكتاب، وجعلت الأبحاث مرتكزة على مبدأ الإيمان بالإله الخالق. قد لا يرضي هذا النهج في النشر بعض الذين يريدون الأمانة في الترجمة، ولكنني أوثر عدم الأمانة في الترجمة على إفساد عقائد الكثيرين، بما أنشره من آراء الكاتب الملحد وحججه القوية في هدم الأديان والاستخفاف بالمعتقدات. في هذا الكتاب آراء كثيرة وأبحاث نافعة وانتقادات جمة لماكس نوردو، وأضفنا إليها من الآراء والنظريات التي تخالف معتقده، ونسبنا الكتاب كله إلى المؤلف، بسبب كثرة ما اقتبسناه من كتابه من الأبحاث الكثيرة والانتقادات الوجيهة. لم أحجم في كل حياتي عن عمل خوفا من الانتقاد، أو رغبة في إرضاء الرأي العام؛ لهذا نشرت هذا الكتاب متحديا النهج الذي ذكرته، فليسمه من شاء ترجمة أو اقتباسا أو مسخا، فهكذا فعلت لأنشر ما اعتقدت أن في نشره فائدة، ولأمنع ما رأيت في انتشاره أذى وإضرارا، فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.»
13
غلاف كتاب «الغرور» عام 1923.
ومن الملاحظ أن حافظ نجيب أهدى هذا الكتاب إلى ابنته من وسيلة محمد، والتي ولدت في 14 / 12 / 1912، قائلا: «ابنتي العزيزة ... الحال أقوى ما تكون تأثيرا في العقل إذا عرفها بالاختبار، وفي النفس إذا انصدعت وتألمت منها، وقد حرم أبوك حنو الوالدين من طفولته، وساوى الأذلين بين أهله، فعرف حقيقة الشقاء. وبقدر حرمانه من مظاهر العطف والحنان وتوقان نفسه إليهما، دام الشجن يؤثر في شعوره فيحييه وفي عواطفه فيرققها، فقوي تأثيره فيهما وتضاعف ألم النفس. ولما كان الافتقار إلى الحاجة يحدو إلى طلبها نشد تلك العاطفة في قلوب من عرف من الجنسين، النشيط بالصداقة، واللطيف بها وبالحب، فأنفق الحياة بددا، وألفى ما عوض من الإخاء سوءا، ومن الوفاء ختلا، ومن الحب غدرا ونكاية. ولو أن نفسا طيبة وفقت إلى عرفان ما امتلأت به نفس والدك من الطيبة والوداعة، وقلبه من الحنان والشفقة، لذابت في حرارة هذا القلب ولامتزجت بتلك النفس. فمن تصور هذه الحال المشجنة، وتأثيرها في فكره ونفسه، تدركين أيتها العزيزة موقعه حيال الناس، ونظره إلى الحياة وكم كان فيها يتألم. ومن شكايته على ذويه تعرفين نوع حبه إياك وقدر عطفه عليك وسروره بك واغتباطه بتربيتك. فهل يطول هناء نفسه بقربك، أم تحول بينكما الأقدار؟ يا ألله من هول تلك اللحظة، فإن ألمي من توهم حينها يا عزيزتي يمزق أحشائي، فكيف بي إذا حانت؟ ليس حب الذات هو الذي يزعجني عند فراقك، إنما الإشفاق عليك من اليتم والقهر وغلظة أكباد الناس، ومن كل ما عرفت من صنوف الشقاء، فهل أنت واعية مبلغ إشفاقي فتعوضيني منه الترحم علي؟ أم ينسيك الزمن من تحوم حواليك روحه وتحن إليك عظامه عاش أم مات؟»
14
ومما سبق يتضح لنا أن حافظ نجيب، عرب أو ترجم ستة كتب في الاجتماع أو الفلسفة. وإذا كنا لم نتوقف كثيرا عند فحوى هذه الكتب، فهذا راجع إلى أن هذه الكتب تحمل أفكار كتاب وفلاسفة غربيين، ولا جهد لحافظ فيها غير ترجمتها أو تعريبها! حتى كلمات حافظ أو إهداءاته التي تتناسب مع موضوعات هذه الكتب، فهي في الوقت نفسه لا تتناسب مع شخصية حافظ نجيب، وما عرف عنه من الخداع والكذب والتناقض والنصب والاحتيال ... إلخ! فمن غير المعقول أن نصدق أفكاره وآراءه في كلماته وإهداءاته، المنشورة في هذه الكتب؛ لأنها أفكار وآراء تخالف كل ما هو معروف عن حافظ نجيب، إلا إذا كان قد كتبها كنوع من التكفير عما اقترفه من أفعال وجرائم! وهناك احتمال آخر، وهو أن يكون حافظ نجيب مصابا بانفصام في الشخصية!
Page inconnue