Hafiz Najib : l'adib al muhtal
حافظ نجيب : الأديب المحتال
Genres
25
وهكذا نجد حافظ نجيب، يحاول تبرير كل جرائمه في النصب والاحتيال، بأنها جرائم ملفقة من قبل الأميرة فيزنسكي! وهذا التبرير لا يقنع الطفل الصغير؛ لأن من غير المعقول أن تتدنى أميرة روسية، صاحبة جاه ومال وسلطان وزوجة الملحق العسكري في الأستانة، فتقوم بتلفيق تهم النصب والاحتيال وتتورط في محاولة قتل، بمساعدة بعض أعوانها! ألم تخش هذه الأميرة على اسمها وسمعتها ومكانتها، إذا علم الأخرون بما تقوم به؟! ولماذا لم يقم حافظ نجيب نفسه بكشف علاقته بها إلى زوجها، أو إلى أية جهة أخرى انتقاما منها، كنوع من إبعاد خطرها عنه؟! وهذا غير مستبعد عن إنسان بأخلاق وتصرفات حافظ، علما بأنه اعترف كثيرا بأنه لم يحبها، بل كان يشبع رغباتها الآثمة على مضض! ووجهة نظرنا في هذا الأمر، تتمثل في أن الأميرة فيزنسكي شخصية وهمية لا وجود لها إلا في خيال حافظ نجيب وحده، وكأنها إحدى شخصيات رواياته الكثيرة؛ لأن شكوكا منطقية تحيط هذه الشخصية من كل جانب - بل وتحيط «اعترافات حافظ نجيب» - كما سنرى.
وبالعودة إلى حافظ في اعترافاته، نجده يتعرف على فرنسين اليهودية، والتي ساعدته في الهروب من السجن، بعد أن تم حبسه احتياطيا في جريمتي النصب والاحتيال الأخيرتين، وكان هذا أول هروب لحافظ من السجون المصرية! وتمثلت قصة هروبه في أن فرنسين ذهبت إلى نيابة شبرا واتهمت رجلا نصب عليها، واستولى على بعض مجوهراتها، وتظن أنه حافظ نجيب المحبوس احتياطيا في سجن الاستئناف. فقام الضابط المسئول باستدعاء حافظ لعرضه على المرأة لعلها تتعرف عليه. وقام بحراسة حافظ أحد الجنود، فتم استبداله بأحد أعوان فرنسين، وفي الطريق وأثناء الترحيل من سجن الاستئناف إلى نيابة شبرا، هرب حافظ نجيب!
وهكذا تخلى حافظ بهروبه من السجن عن اسمه، وفي ذلك يقول لفرنسين: «لا تتوهمي أن المطاردة ستكون سببا في عجزي عن التمتع بكل حريتي، إنهم سيطاردون حافظ نجيب، ولكنني سأترك لهم ذاك الاسم الذي يلوثونه والصورة التي خلقها الله، وسأتحول إلى إنسان جديد يحمل اسما نكرة ووجها كاذبا فأختفي عن العيون في ظلام التنكر، ولكنني سأعيش بين سمع الناس وأبصارهم؛ أمتع نفسي بكل ما على ظهر الأرض من الملذات.»
26
ومن الغريب أن حافظ نجيب - أو من عبث باعترافاته ونشرها بعد وفاته - نسي أنه كتب في مجلة «الحاوي» قصة بعنوان «زهرة هانم»،
27
وفي هذه القصة اعترف حافظ بأنه بطلها عندما كان شابا في العشرين من عمره، حيث تعرف على زهرة هانم في أحد أسفاره، فتعلقت به المرأة إلى درجة الجنون، ولكنه كان يصدها؛ لأنه شعر بأنها تريد امتلاكه. وعندما زاد صده لها استأجرت قاتلا محترفا ليقتله، ولكنه فشل في مهمته. وبعد أيام قبض البوليس على حافظ نجيب يوم 14 / 12 / 1907، ثم أفرجت عنه محكمة الموسكي الجزئية بكفالة مالية يوم 28 / 12 / 1907، وأرسل حافظ لأحد أصدقائه رسالة يطالبه بدفع الكفالة قبل ظهر يوم 29 ديسمبر.
وفي صباح يوم 29 ديسمبر استدعت نيابة شبرا حافظ نجيب للتحقيق معه في قضية جديدة لا يعلمها ولا يعرفها، فجاء عسكري لاستلامه من قسم الموسكي لترحيله إلى نيابة شبرا، واستقل العسكري بصحبة حافظ سيارة أجرة، فلاحظ حافظ أن السيارة تسير في طريق آخر غير طريق نيابة شبرا، حتى دخلت السيارة إلى قصر مهجور، وتم سجن حافظ في قبوه. وعرف حافظ أن هذا القصر لزهرة هانم، وأن العسكري باعه لها مقابل المال، ولكن حافظ نجيب بدهائه استطاع أن يهرب من القصر. وفي صباح اليوم التالي قرأ في الصحف هذا النبأ: خرج حافظ نجيب في حراسة عسكري للذهاب إلى قسم من الأقسام ففر منه في الطريق.
ومن خلال هذه القصة، يتضح لنا أن فيزنسكي هي زهرة هانم، بكل تصرفاتها والأحداث المحيطة بها، كما جاءت في الاعترافات! بل إن قصة زهرة هانم هي القصة الحقيقية الثابتة؛ لأنها منشورة عام 1925، أثناء وجود حافظ نجيب على قيد الحياة، وعندما كان متمتعا بحياة مستقرة وصاحب إحدى المجلات! هذا بالإضافة إلى وجود التواريخ الموثقة في قصة زهرة هانم، تلك التواريخ المهملة في معظم صفحات الاعترافات! ولهذا يسهل علينا أن نشك في «اعترافات حافظ نجيب »، وأن هناك يدا عبثت بها ونشرتها بعد وفاته!
Page inconnue