Hafiz Najib : l'adib al muhtal
حافظ نجيب : الأديب المحتال
Genres
16
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا لم يذكر حافظ نجيب تفاصيل علاقته بالزعيمين مصطفى كامل ومحمد فريد، ولماذا لم يوضح علاقته الحقيقية بالحزب الوطني، أو بالجهة السياسية التي نصحته بالتخفي في الدير، وما هي حقيقة المهام الخطيرة السياسية التي قام بها لصالح هذه الجهة؟! أسئلة كثيرة كان من الواجب على حافظ نجيب أن يجيب عليها في اعترافاته، إذا كان له دور وطني حقيقي؛ لأن هذا الدور إذا صحت حقيقته، لكان هو النقطة المضيئة في اعترافات حافظ وفي حياته بأكملها؛ حيث إن اعترافاته هي عبارة عن مجموعة من النقاط السوداء غير المشرفة لأي إنسان على وجه الأرض! وهذا يجعلنا نشك في هذا الدور الوطني، بل ونعلل وجوده في الاعترافات بهذه الضبابية، إلى أنه دور وطني مقحم على الاعترافات، لم يكتبه حافظ نجيب بقلمه، بل أقحم على اعترافاته بعد موته!
أما إذا أردنا أن نتعرف على حافظ نجيب كما جاء في اعترافاته - بعيدا عن إشارات وطنيته المشكوك فيها - سنجده إنسانا جاحدا لأهله، ضائعا لا هدف له، يسعى وراء غريزته الحيوانية، ولا يستطيع أن يسيطر عليها، ويشرب الخمر ليل نهار، ويرتاد الملاهي والحانات، ويقيم علاقات آثمة بالراقصات ويرتكب الموبقات، ويفاخر بإنكار العقيدة والدين ويجاهر بالكفر، ويعترف بالزنى! وبالرغم من ذلك كله نجده ينفي عن نفسه تهمة النصب والاحتيال، ويدافع عن نفسه ضد هذا الاتهام دفاع المستميت، وكأن جريمة النصب والاحتيال أهم وأكبر من ارتكابه للكبائر!
ولعل هاتين الصورتين، هما الصورتان الوحيدتان المعروفتان عن حافظ نجيب، رغم ما يحيطهما من شك وجدل! فإما أن تتخذ صورة حافظ نجيب الوطني الثائر كما جاءت في المسلسل، وإما أن تتخذ صورة حافظ نجيب الزنديق كما جاءت في الاعترافات! ولكن هناك صورة ثالثة غائبة ومجهولة، لم يطلع عليها القارئ إلا في إشارات يسيرة، وهي صورة حافظ نجيب الأديب! ولعلها الصورة الحقيقية والواقعية، والتي لا تقبل الشك أو الإنكار؛ حيث إن وثائقها وآثارها وأدلتها موجودة بين أيدينا!
وإذا كنا لا نستطيع أن نضيف جديدا على صورة حافظ نجيب كما جاءت في المسلسل، لعدة أسباب، منها؛ أولا: أن معظم القراء تابعوا المسلسل، بسبب الضجة التي أثيرت حوله. ثانيا: أن المسلسل لم يلتزم بالأحداث التي جاءت في الاعترافات التزاما حرفيا، بل تصرف فيها تصرفا فنيا من الصعب علينا محاسبته في ذلك، تبعا لرؤيته الفنية والسياسية. ثالثا: أن أهداف المسلسل الفنية والسياسية أقيمت على إشارة غامضة عن وطنية ضبابية لحافظ نجيب. وبناء على ذلك لم يبق أمامنا إلا الحديث عن حافظ نجيب وصورته من خلال اعترافاته وما ينتاب هذه الاعترافات من شكوك، وأخيرا الحديث عن صورة حافظ نجيب الأديب!
اعترافات حافظ نجيب
يحكي حافظ نجيب في اعترافاته قصة حياته منذ مولده وحتى عام 1909. وتبدأ الاعترافات بقصة خطف الباشا التركي للطفل محمد ابن التاجر حسن السداوي، الذي أطلق عليه اسم «محمد نجيب»، وعلمه حتى أصبح ضابطا، فألحق بحرس الخديو إسماعيل، ثم تزوج من ابنة الباشا «ملك هانم». وفي يوم ما أثار محمد غضب زوجة الباشا عليه، فطردته من القصر، وقامت بتعذيب ابنتها ملك هانم، التي أنجبت الطفل «حافظ نجيب»، ثم ماتت من شدة التعذيب، فتبعها والدها الباشا، وتم دفنهما في يوم واحد. وبعد أيام قليلة أخذ محمد نجيب ابنه من جدته التركية، رغما عنها، ومن ثم تركت الجدة مصر إلى الأستانة، وانقطعت أخبارها.
عاش الطفل حافظ في بيت جده لأبيه، وسط أطفال العائلة، حانقا عليهم متمنيا العودة إلى رغد العيش في قصر جدته التركية، ولكنه أسلم أمره للظروف المفروضة عليه، فتم تعليمه في أحد المكاتب (الكتاتيب)، ثم التحق بمدرسة القربية، وأخذ يتنقل بين بيت أبيه في طهطا وبين بيت عمه في أسيوط، وبالتالي انتقل إلى مدرسة الفرير بطهطا حتى حصل على الابتدائية عام 1892، فالتحق بالمدرسة الخديوية ولكنه لم يفلح بها، فانتقل إلى مدرسة رأس التين، ومن ثم التحق بالمدرسة الحربية. وفي هذه الفترة نشأت علاقة بينه وبين إحدى الراقصات.
وقبل إتمام حافظ دراسته، أقامت المدرسة الحربية مباراة في الرماية بالبندقية والمسدس، ففاز حافظ نجيب بالمركز الأول، وقامت الأميرة الروسية فيزنسكي بتسليمه الجائزة، بعد أن أعجبت به، فنشأت بينهما علاقة آثمة دامت سنوات طويلة. وفي هذه الفترة ساعدته الأميرة على السفر إلى الأستانة وألحقته بالجيش التركي، ثم أرسلته لإتمام الدراسة في كلية سان سير بفرنسا، حتى التحق بإحدى الفرق الفرنسية في الجزائر. وبعد عام عمل حافظ جاسوسا لفرنسا على ألمانيا بعد أن تنكر في شخصية خادم أخرس، فتم كشف أمره في أول مهمة له وأودع السجن، فقامت فرنسا بتهريبه من ألمانيا إلى مصر.
وبعد عودته، ساعدته الأميرة فيزنسكي بالمال، فأصبح يضارب في البورصة، وفتح مكتبا للقومسيون، واشترى سيارة وبيتا وإسطبلا للخيول، بالإضافة إلى شرائه مدرسة الفرير وعمارة كورونيل، مع امتلاكه لرصيد وافر في البنوك، حيث تزين بالبرلنت والزمرد والياقوت، ووضع اللؤلؤ بدلا من الأزرار في قميصه! وهكذا بدأ في ارتياد المقاهي والبارات والكباريهات، ومجالسة الحسناوات والراقصات والساقطات.
Page inconnue