فصدقتها راضية بإيمان عميق وسألتها: هل حدثتك يا أمي؟
فقالت جليلة: سألتها عن حالها فقالت لي: إن الله غفر لها انتحارها، وإنها تخبرني بذلك ليطمئن قلبي.
فهتفت راضية: الحمد لله الرحمن الرحيم.
فقالت جليلة: رأيتها في غاية من الجمال كالأيام الماضية.
صفاء حسين قابيل
هي الثانية في ذرية سميرة وحسين قابيل، ولدت ونشأت في بيت ابن خلدون، ورضعت في مهدها اليسر والهناء مستظلة بأيام العز والهناء وخمائل حديقة الظاهر بيبرس. ومع أن جميع أبناء سميرة عرفوا بالجمال والصحة والنجابة؛ فإن صفاء كانت أوفرهن جمالا ومرحا. كم لاعبت جدتها راضية ورقصت بين يديها ونفثت حرارتها الزكية في كل مكان تحل فيه. ونمت بسيطة ومتسامحة، تحب الحياة أكثر من المبادئ التي توزعت إخوتها وأخواتها. وهام بها حسين قابيل هياما واعتدها تحفة أجمل من جميع التحف التي يتاجر بها. ومضت في الدراسة بنجاح حسن، والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، ومات حسين قابيل تاركا في قلبها جرحا عميقا، وشعرت بعناء أمها وهي تعد الأسرة لمستوى جديد من المعيشة، فخيم على مرحها ظلام أشد من ظلام ليالي الحرب والغارات. وتلاقت في تجوالها بشباب الأسرة ما بين آل سرور، والمراكيبي، وداود، ولكن شاكر ابن خالها عامر كان الذي ألقى عليها شباك اهتمامه وإعجابه؛ كان طالبا بالطب فأمكنهما أن يلتقيا كثيرا بعيدا عن تقاليد الأسرة، وبلغ قلبها فطامه على يديه، فاعتقدت بأنه فتى المستقبل المأمول لإسعادها. ولم يغب عنها حرصه على إحاطة علاقتهما بالسرية، ولم تدرك لذلك مغزى، فسألته مرة: مم تخاف؟
فأجاب بصراحة وسخط: ماما!
فعجبت لشأنه وشأنها وحدست أنه ليس الرجل كما ينبغي له. ورجعت ذات يوم من كليتها فوجدت أمها واجمة متجهمة فأدركت لسابق معرفتها بقوة انضباطها أن حدثا قد حدث.
وقالت سميرة باستياء: عفت زوجة خالك!
وخنق قلبها وشعرت بتلاشي أملها. وقالت سميرة: صارحتني بلا حياء بأن علي أن أمنعك عن ابنها.
Page inconnue