Le récit de ʿIsa ibn Hisham
حديث عيسى بن هشام
Genres
4
ومن نعيم العيش في جنة، وتركتهم على ذلك مطمئن القلب مستريح الفؤاد، رفيع الذكرى رفيع العماد.
المحامي :
إنا لنعلم، يا معشر الأمراء والحكام، أنكم قضيتم الأعمار في جمع الحطام واتخذتم الحكم والسلطان تجارة من التجارات وبضاعة من البضاعات؛ تربحون منها الغنى والثروة، ولم تكونوا تعلمون للحكم من مزية سوى اكتناز الأموال، واستلاب الحقوق، وابتزاز الدراهم من دماء الأرامل والأيامى، وانتزاع الأقوات من أفواه الأطفال واليتامى، وكنتم سواء عليكم أحزتم المال من حله أم غير حله لم تبالوا بالضعيف المسكين، ولم ترثوا للعاجز المستكين، بل ظلمتم البريء وبرأتم الظالم فجمعتم لديكم من أثر ذلك ما لا يقدر من الأموال، ورضيتم بالوزر وطوقتم أعناقكم بالإصر، ثم حرمتم بعد ذلك على أنفسكم التمتع بما جمعتموه وحرمتموها من كل ما حزتموه، ولم تكونوا من الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، ولم تؤدوا ما فرضه الله عليكم فيها من الحقوق، ولم تطهروها بزكاة، ولم تزكوها بإحسان، وأطربكم رنين الدرهم فوق الدرهم، وصمت الدينار مع الدينار، وأبدعتم ما شئتم في وسائل وطرائق يأباها الله لعباده ويمقتها، ويستبشعها الإنسان ويستفظعها، لسلب ما سلبتموه وكنز ما كنزتموه بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، واجترأتم على الله في أوامره ونواهيه، وكلفتم العلماء بتأويلها على أهوائكم فأولوها لكم لانحصار الأرزاق في أيديكم واحتياجهم إلى ما يقتاتون به من فضلات عيشكم، فالوزر عليكم وعليهم، ولكنه عليكم أعظم وفوقكم أثقل، حتى إذ انقضى العمر وحل الأجل تركتم ما خلفتموه لغلمة من أولادكم وصبايا من جواريكم نشأوا بينكم على الحرمان، ولم تثقفوهم بالتعليم، ولم تتركوهم للزمن يؤدبهم، وللأيام والليالي تهذبهم، فكنتم في أعينهم كالرصد الذي يكون على باب الكنز - كما يقال في الأقاصيص - يحتالون لنقله بقتله، فإذا استراحوا منكم بالموت أو القتل مزقوا أموالكم انتقاما منها ومنكم، وفرقوا شملها في أدنى من لمحة؛ جهلا منهم بوجوه التصرف وأبواب التمتع، فما هو إلا أن يتسابق الدود والورثة في أحشائكم المدفونة، وأحشائكم المخزونة، فيسبق الورثة الدود، في الصدور والورود، فتذهب البدرة وراء البدرة، والضيعة بعد الضيعة، والدار عقب الدار، حتى إذا لم يبق إلا بيت السكن أتوا على ما فيه من الأثاث بيعا وما في أعناق الجواري من الجواهر والقلائد رهنا، ولا يزالون يخلون من البيت حجرة إثر حجرة، والدائنون يدخلون فيه خطوة إثر خطوة، إلى أن يندك بناؤه ويعفو أثره ويزول اسم بانيه الذي ارتكب ما ارتكب من الذنوب لتشييده ودوام بقائه، وهو يشيع منهم باللعنتين في الحالتين حالة الخلاص منه بالتشييع إلى القبر، وحالة أسفهم على إهماله إياهم من تثقيف العلم بما كان ينفعهم في خشونة الفقر.
هذه أيها الأمراء عاقبة ما صارت إليه أموالكم ومقتنياتكم من بعدكم، ويا ليت أولادكم وأحفادكم خففوا عليكم من الإثم في جمعها من دماء المصريين بإنفاقها بينهم، وتبذيرها فيهم، فيكون ذلك منهم كرد بعض الحق إلى أهله، ولكن البلاء كل البلاء أنها ذهبت جميعا إلى أيدي الأجانب والغرباء، وكأن الدهر سلط المماليك على المصريين ينهبون أموالهم، ويسلبون أقواتهم ثم سلطكم الله عليهم لسلب ما جمعوه، ثم سلط عليكم أعقابكم، فسلموا مجامع ذلك للأجانب يتمتعون به على أعين المصريين، والمصريون أولى بالقليل منه، وما دفع بأعقابكم إلى هذا الليان والتسليم، إلا ما ورثوه عنكم من الاحترام لشأن الأجنبي والاحتقار لجانب المصري، وأنكم لم تكتفوا بأن تكونوا أربابا للمصريين حتى شاركتم معكم الأجنبي في تلك الربوبية، فغلبكم عليها وأشرككم مع المصريين في العبودية وتشابهت الموالي بالعبيد، وقد آن أن تعلم أيها الأمير بأن جميع أقرانك وإخوانك من ذوي الثروة واليسار في أيامكم قد أصبحت بيوتهم خاوية على عروشها، وأبصار أعقابهم شاخصة إليها، فإن أردت أن تبحث عن أموالك وضياعك اليوم فابحث عنها تحت ثفال تلك الرحى،
5
وقل معي ما يقوله الشاعر الحكيم:
يقول الفتى: ثمرت مالي وإنما
لوارثه ما ثمر المال كاسبه
يحاسب فيه نفسه في حياته
Page inconnue