ومع هذا يوجد الفارق بين الخلايا المنوية والخلايا البيضية محسوسا مميزا لمن يكشفه بالمجهر، فتختلف الخلية المنوية من الخلية البيضية بالحركة والشكل والتركيب.
والخلايا المنوية في الحيوانات اللبون هي التي تقرر جنس الجنين ذكرا يكون أو أنثى؛ لأن الذكر يفرز نوعين من الخلايا أحدهما يشبه خلية الأنثى والآخر خاص بالذكورة لا يشبه البويضات الأنثوية، فإذا امتزجت عند اللقاح خليتان متشابهتان فالمولود أنثى، وإذا امتزجت خليتان مختلفتان فالمولود ذكر؛ لأن الخلية المختلفة هي التي تعطيه صفة الذكورة، وقد لوحظ أن خلية الذكر تتألف على الأكثر من نواة تميل إلى الحركة وتقل فيها المادة الغذائية الأخرى التي تكثر في الخلية الأنثوية، وتقبل مادة النواة الاصطباغ فيسهل تمييزها بألوانها؛ ولذلك سميت في اللغات الأوروبية
Chromosoms
نسبة إلى الصبغ والتلوين.
وفي كل خلية عدد من هذه الصبغيات يتساوى في خلايا النوع كله، أقله صبغيان اثنان كما في الدودة الخيطية التي تعلق بالخيل، وأكثر ما شوهد منه في خلية الإنسان؛ حيث يبلغ عدد الصبغيات ثمانية وأربعين، ولكن هذا العدد ليس بالمهم في الدلالة على ارتقاء النوع؛ لأن بعض الحشرات الحلزونية تشتمل خلاياها على مثل هذا العدد.
إنما المهم أن عدد الصبغيات بعينه يتكرر في كل خلية من خلايا الجسم كله، وأن الخلية المنوية تشتمل على نصفه فقط، وكذلك الخلية البيضية، كأنما الملحوظ من البداية أن النصفين يكونان خلية واحدة هي التي يتخلق منها الجنين.
ومن عجائب الاختلاف العريق بين خصائص الذكورة وخصائص الأنوثة أن عدد هذه الصبغيات في خلية الذكر سبعة وأربعون وفي خلية الأنثى ثمانية وأربعون، والذي يحدث عند اللقاح أن خلية الذكر تنقسم نصفين وخلية الأنثى تنقسم نصفين، ثم يتقابل نصف من هذه ونصف من تلك، فإذا كانا عند الامتزاج يؤلفان ثمانية وأربعين، فالمولود الذي يتخلق من هذه الخلية أنثى، وإذا كانا يؤلفان سبعة وأربعين فالمولود الذي يتخلق من الخلية ذكر، وكأنما النواة الكثيرة الحركة هي العوض في خلية الذكر من الصبغي الناقص فيها.
ما أعجب بداهة الأساطير في النفاذ إلى حقائق الحياة!
ففي الأسطورة التي أشرنا إليها زعموا أن الذكر والأنثى كانا في النوع الإنساني بنية واحدة فأوجست الآلهة منهما متحدين متفقين فسطرتهما شطرين، فهما منذ تلك اللحظة يبحث كل منهما عن النصف الآخر ليتم به نقصه ويجد فيه لفقه الذي يسكن إليه.
وتلك هي الحقيقة في ظلمات الرحم تشطر الذكر والأنثى نصفين، ثم تطلق كلا منهما يبحث عن لفقه حتى يسكن إليه، ثم تطلقهما بعد ذلك نصفين في كل منهما حنين إلى النصف الآخر يبحث عنه حتى يلقاه. •••
Page inconnue