57

ذلك هو ميزان واجباتها وحقوقها.

وللرجال عليهن درجة الإشراف على الحياة العامة التي انفردوا بها منذ نشأت في العالم حقوق أو واجبات اجتماعية، وانفردوا بها بحكم الفوارق التي بينهم وبين النساء في تركيب الأجسام وخصائص الخلق والتفكير.

نعم إن زحام العيش في العصر الحديث يلجئ المرأة إلى كسب الرزق بالعمل ولا يغنيها بالحياة البيتية عن المشاركة في الحياة الخارجية، ولكن المرأة كانت في الحقيقة تعمل للرزق منذ كانت ولم تبدأ العمل للرزق في العصور الأخيرة.

فإذا كانت هذه العصور كفؤا لمقابلة الضرورات التي تواجهها فمهمتها الكبرى هي تقسيم العمل بين القادرين عليه بحيث لا يجور عمل المرأة على رسالتها في الحياة، وهي رسالة الأمومة والبيت والأسرة.

وكم من عمل تستطيعه المرأة ولا يجور على تلك الرسالة؟

بل كم من عمل يتمم أعمال تلك الرسالة ويوافقها ويجري في أثرها كأنه جزء منها!

فهناك تربية الطير والدواجن وصناعات الألبان والفاكهة والرياحين، ومشاركة الأزواج والآباء فيما يقدرون عليه من أعمال الريف والزراعة الخفيفة، والاشتغال بصنوف كثيرة من الصناعات الدقيقة التي قد تجيدها الريفية والحضرية على السواء، ومنها النسج والتطريز وتنسيق التحف وسائر الحرف اليدوية التي تمارسها يد المرأة منذ عهد الحضارة الأولى، كله عدا التعليم والتطبيب والمؤاساة في البيوت ودور العلاج.

فالذي يضن على المرأة بالعمل في غير هذه الميادين لا ينكر عليها حقا من الحقوق، ولكنه يحيلها إلى واجبها الأصيل أو يوفق بين حقوقها ورسالتها الوحيدة في العصر الحديث على التخصيص؛ لأنه عصر يشتد فيه الكفاح، والعصر الذي يشتد فيه الكفاح لا يستغني عن حضانة المرأة الرفيقة بل هو أحوج إليها، ولا يلغي البيت ويهدمه بل هو أحرى أن يدعمه ويحرس حماه، ولا يجند المرأة لاقتحام الزحام بل يجندها لتهوين هذا الاقتحام.

وقد قيل كثيرا عن استغلال المرأة في العصور الحديثة، وليس كل ما قيل بالكذب، وليس كل ما قيل بالصحيح.

ولكننا لا نعرف استغلالا للمرأة هو شر من استغلال قضيتها في ترويج المذاهب الاجتماعية التي تهدم الأسرة وتبطل مزية المرأة باسم المساواة بين النساء والرجال.

Page inconnue