8
من الجراد أن تهلك بر حقل، وليس هذا مما يصدر عن الهندوس، وما اضطراب فصائل من السباهي الساخطين في سنة 1857 إلا فورة محلية عارضة لم يكترث لها معظم القوم.
وسنرى أن مستوى الهندوس العقلي المتوسط ليس دون مستوى سادتهم الأوربيين العقلي المتوسط، بيد أن الهندوس أقل من هؤلاء الأوربيين أخلاقا بمراحل، وفي هذا بيان لسبب انقياد الهندوس للغربيين، والأخلاق؛ «أي الثبات والعزم»، هي، كما نعلم من التاريخ ومن دراسة الناس، تمثل دورا في حياة الأفراد والأمم غير الذي يقوم به الذكاء، فبالأخلاق، على الخصوص، أكثر مما بالذكاء، تؤسس الديانات وتشاد الدول؛ ففي صراع يقع بين شعبين يتألف أحدهم من أناس أذكياء متعلمين متصفين بالحذر الذي هو وليد الذكاء قائلين ببطلان كل مثل عال غير مستعدين للتضحية بأنفسهم في سبيل المثل العليا، ويتألف الآخر من أناس محدودي الذكاء عند لا يتأخرون عن بذل أرواحهم انتصارا للدين يتم النصر لهؤلاء على أولئك لا ريب، فهذا ما قلته غير مرة في غير كتاب، ففيه مفتاح كثير من حوادث التاريخ التي يظل إدراك أمرها متعذرا بدونه، فإذا كان الرومان قد قهروا الإغريق، وإذا كانت قبائل العرب التي هي من شباه البرابرة قد خرجت من جزيرتها ففتحت العالم الإغريقي الروماني، وإذا كان المسلمون قد ملكوا الهند، ثم جاء إنجليز قليلون فدوخوها، لم يتفق ذلك كله لهؤلاء الفاتحين جميعهم إلا بفضل ما اتصفوا به من شدة العزم أكثر من اتصافهم بقوة الذكاء، فالعزيمة هي أقوى ما في البشر من القوى.
ويضاف إلى الخمول الذي هو أظهر صفات الهندوس عدم اكتراثهم الدال على الإذعان والتسليم بالقدر فيغضي الهندوسي هادئا عن كل ما لا يمس تعاليم طائفته ومعتقداته الدينية، فيحتمل أقسى ضروب الجبروت عادا إياها أمرا مقدرا لا مفر منه.
وليست شجاعة الهندوسي مثل شجاعة الأوربيين، فالهندوسي يزدري الحياة ولا يهزه الموت، ولا يحاول اجتنابه؛ لما يجده من عدم استحقاقه لذلك، ولما يراه من أن كل عمل للفرار منه لا يجدي نفعا.
وعدم اكتراث الهندوسي لأكثر ما في هذه الدنيا يؤدي إلى عدم التأثير فيه بمثل العوامل التي يؤثر بها في الأوربي، فكيف يؤثر في أناس لا يبالون بالحياة ولا بالموت ولا يشعرون بشين من فرض أية عقوبة تنص عليها قوانيننا، ولا سيما السجن، ولا يطلبون في كل يوم غير وجبة أرز يسدون خلتهم بها؟ فالهندوس إذا ما نالوا مثل هذه الوجبة لم تجد ما يخرجهم من بلادتهم، فعد العامل الهندوسي أي مبلغ من المال مقابل عمل يقوم به في وقت معين ونل منه أي عهد بذلك لم ينجز ما عاهدك عليه، فالغد عند الهندوسي مستقبل بعيد مشكوك في أمره كثيرا، فلا يدور في خلده أن يفكر فيه، فالأوربي الذي اختبر الهندوس قليلا يعلم جيدا أنه يجب عليه، إذا أراد أن يعتمد على حماليهم، مثلا ، ليكونوا حاضرين في الزمن المقرر، أن يحملهم على النوم ليلا أمام بابه.
ويجب على الباحث أن يدرس أحوال الهندوس عن كثب؛ ليعلم جهلهم بعض مشاعرنا البسيطة التي انتقلت إلينا بالوراثة كالدقة والضبط، ومن ذلك أن الهندوس في بدء إدخال الخطوط الحديدية إلى بلادهم كانوا يصلون إلى محطاتها بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من الوقت المقرر لذهاب القطر، فلما علموا بالتجربة أن القطر تمضي من غير أن تنتظرهم صاروا اليوم يفدون إلى المحطات قبل الميعاد بساعتين أو ثلاث ساعات، فمن ثم ترى أن خلق عدم الضبط فيهم لم يتغير، بل بدل دليله على حسب تعبير علماء الجبر.
وقد عاملت هندوسا من جميع الطبقات ومنهم خريجوا الجامعات الأوروبية، فلم يحدث أن أتاني واحد منهم مرة واحدة في الوقت المعين، مع أنني لم أجد في الهند إنجليزيا واحدا يخلف الميعاد.
ونحن، بعد أن درسنا أخلاق الهندوس العامة، نرى، للوصول إلى حكم صائب، أن نبحث في صلاتهم بالأوربيين وفي علاقات بعضهم ببعض.
يألم الأوربيون ذوو الصلات بالهندوس من مداجاة هؤلاء وعدم صدقهم، وهم ينسون أن هذه النقائص من مقتضيات علاقات العبد بسيده، فصلات الهندوس بعضهم ببعض هي على خلاف ذلك، وإذا ما اتخذنا احترام المرء لطبائع بلده وعاداتها وشرائعها وما ينطوي عليه هذا المرء من التقوى وروح التسامح مقياسا أمكننا أن نقول: إن عوام الهندوس أفضل من عوام الأوربيين، وإننا كلما صعدنا في السلم الاجتماعية بدا لنا العكس فرأينا فقدان الأخلاق في الهندوس الذين تخرجوا على الطريقة الأوربية، فثبت لنا بذلك فساد النظرية القائلة إن التعليم يرفع مستوى أخلاق الناس، وعلمنا بذلك أن التربية التي تلائم احتياجات أمة فتصلح لها تأتي بنتائج سيئة عند تطبيقها على أمة أخرى سلكت طريقا أخرى في التطور.
Page inconnue