وذكرنا أن الفروق التي بين أهل الحضر من العرب الساكنين في مختلف البلدان كالفروق التي بين الأمم المتمدنة، وتشاهد مثل هذه الفروق بين سكان جزيرة العرب نفسها، فالفرق بين سكان القطر النجدي، الذي هو أوسع من كثير من الممالك الأوربية، وبقية سكان جزيرة العرب لا يقل عن الفرق الذي بين سكان شمال أوربة وسكان جنوبها، والوهابيون، الذين هم أكثر نشاطا من العرب الآخرين وأقل اندفاعا وراء عوامل الزمن، أشد العرب مكرا وغيرة، قال پلغريڨ في وصف الوهابيين:
يقل الوهابيون عن العرب الآخرين كرما وإقداما ومرحا وصراحة، ويزيدون عليهم صبرا وحكمة، ويندر أن يدل كلامهم على سرائرهم، وهم حزمة بعيدو الهمة جبابرة ذوو انتقام، قساة نحو أعدائهم، مشكوك في مودتهم لغير بني قومهم، ولذا فهم جديرون بأن يسموا، من غير تجن ومع كل تحفظ، بإسكتلنديي جزيرة العرب.
ووجوههم ذات صلود وعبوس مما لا يرى مثله في وجوه عرب الشمال الطليقة، ولا يؤخذون بدوافع الساعة العتيدة، وإذا ما ساروا فبعد تفكير وإنعام نظر.
ويقدرون بإرادتهم القوية وثباتهم وجلدهم على تنظيم شؤونهم الاجتماعية والسيطرة على جيرانهم مع ما فيهم من الذكاء المحدود، ولا ريب في أنهم سينتصرون، بفضل اتحادهم المتين، على أعدائهم الذين أضعفهم انقسامهم، وأن سيادة القسم الأعظم من جزيرة العرب ستكون لدولتهم الوهابية، وأن أطماعهم وآمالهم ستتحقق في أقرب وقت.
وتتجلى أخلاقهم في أدق شؤون حياتهم الأهلية، ويجب على من يرغب في مفاوضتهم ألا يسترسل في كلامه، وأن يزن حركاته كما يفعل عندما يحادث أعداءه. (5-2) عرب سورية
عرب سورية، كعرب الجزيرة، أهل حضر يسكنون المدن، وأعراب يقيمون بالبادية، ولم يكن في السيطرة المتتابعة التي أصابت سورية ما يتوجع منه أعرابها الذين لا يزالون يعتمدون في معايشهم على النهب وتربية المواشي منذ ثلاثة آلاف سنة، ونحن إذا ما استثنينا المدن نرى سورية قبضتهم بالحقيقة، فهم يهاجمون فيما وراء نهر الأردن، وفي أبواب دمشق نفسها، السياح والقوافل التي لم تؤد إليهم الفدى في مقابل خفرها وحمايتها والسماح لها بالمرور، وتجتمع في أعراب سورية صفة الشره وصفة الكرم المتناقضتان اللتان ألمعنا إليهما فيما تقدم، ويقدسون الضيف ما دام نزيلهم.
ولم يقدر أحد على إلزام أعراب سورية بترك البادية التي تعودوا العيش فيها منذ قرون، وقد رفضوا كل أرض عرضت عليهم ليستقروا بها، وامتنعوا عن أي عمل زراعي.
ونرى في سورية، بجانب الأعراب الذين يدينون بدين محمد، قبائل ذات شعائر وعقائد مختلفة يسهل تمييز بعضها من بعض؛ لعدم توالدها فيما بينها، وأهمها المتاولة والنصيرية والموارنة والدروز.
فالمتاولة:
قبائل عربية جبلية تعيش في اعتزال، وهم من مسلمي الشيعة المتعصبين الذين يأبون تناول الطعام مع أي أجنبي كان، ونرى من أوصافهم أنهم مزيج من المغول والعرب والفرس، مع أن بعض الباحثين يظن أنهم منحدرون من بعض القبائل الكردية.
Page inconnue