وإن تقسيم العرب إلى أهل حضر وأهل بدو يطابق ما في الرواية التي قالت بتقسيمهم إلى ثلاثة عروق: العرق الذي باد وعفا أثره قبل الإسلام، والعرق المؤلف من أبناء قحطان الذين استقروا ببلاد اليمن والذين هم أقحاح العرب، والعرق المؤلف من ذرية إسماعيل الذي هو ابن جارية إبراهيم المصرية.
وتعلم مما قلناه آنفا عن العرب المعاصرين الذين هم وليدو توالد مختلف أنه يتعذر وجود مثال خالص خاص بالعرب؛ بسبب ما تعرض له العرب من التمازج كتعذر وجود مثال فرنسي أو إيطالي.
وأحسن وصف قيل في مثال العرب الجثماني، الذي يطابق فريقا كبيرا من العرب الخلص، هو ما ذكره الجراح الأول السابق في الجيش المصري، لاري، في الكلمات الآتية، وهي:
هم مربوعو القامة، ذوو تكوين حسن، ومرانة ضلع سفع،
9
وجوههم بيضية سمر، وجبنهم عريضة عالية، وحواجبهم سود منفصلة، وعيونهم كحل لامعة، وأنوفهم معتدلة، وأفواههم جميلة، وأسنانهم منضدة عاجية البياض، وآذانهم حسنة الشكل غير كبيرة مائلة قليلا إلى الأمام، وخروتهم
10
محاذية تماما لأجفانهم، وفي المرأة العربية محاسن كثيرة كما في أخواتها في الأمم الأخرى، ونحن نعجب، على الخصوص، باستدارة أعضائها اللطيفة، وتناسب يديها، واعتدال رجليها، وهيف قامتها وتبخترها ... إلخ.
ويقسم أهل البدو أو الرعاة من العرب إجمالا إلى قبائل كثيرة موزعة في أطراف الأراضي الخصبة القريبة من البادية، وتقيم القبائل بمضارب وخيام تنقل من مكان إلى آخر عند الضرورة، وعلى ما بين أبناء القبائل العربية والعرب المتمدنين من الشبه نرى أبناء القبائل العربية يميزون بتألق عيونهم وغموض ملامحهم، واعتدال قامتهم وسرعة عدوهم، وضمورهم وقوتهم، وتوثبهم وخيلائهم وعتقهم، وحذرهم وبأسهم ونجدتهم ولباقتهم، وذكائهم النادر وفروسيتهم ورمايتهم، واستعدادهم العظيم لاحتراف مختلف المهن والصناعات.»
وأشد ما استوقف نظري من الأوصاف التي وصف لاري بها العرب هو ما شاهدته، على الخصوص، من التماع عيون صبيانهم، وبياض أسنانهم، ودقة أيديهم وأرجلهم، وهيف قامتهم ... وما إلى ذلك مما لا يرى اليوم في غير عرب البادية.
Page inconnue