6
الأصائل، فإذا تكامل في زيادته نكص على عقبه كأول ما بدأ في جريته وطما
7
في درته، فعند ذلك تخرج ملة محقورة يحرثون بطون الأرض، ويبذرون بها الحب، يرجون بذلك النماء من الرب، لقيهم ما سعوا من كدهم، فناله عنهم أناس بغير جدهم، فإذا أشرق الزرع وأشرف، سقاه الندا، وغذاه من تحته الثرى، فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء، فإذا هي عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء، فتبارك الله الخالق لما يشاء، والذي يصلح هذه البلاد ويقر قاطنها فيها ألا يقبل قول خسيسها في رئيسها، وألا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها، وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها، فإذا تقرر الحال مع العمال على هذه الأحوال تضاعف ارتفاع المال، والله يوفق إلى حسن الحال.
وقد يكون نهر النيل الذي فيه سر غنى مصر سبب بؤسها، فإذا ما كان فيضانه دون الدرجة الكافية ضربت المجاعة أطنابها في مصر، وإذا دام القحط في مصر عدة سنين لم يبق أمام الكثيرين من الفلاحين سوى الموت جوعا، ومن ذلك القحط الهائل الذي نكبت به مصر سنة (462ه / 1069م) أيام الحكم العربي، فقد روى مؤرخو العرب أنه حين نقص فيضان النيل عن درجة الكفاية خمس سنين متتابعة، وتعذر جلب القمح من الخارج بسبب الحروب الكثيرة التي كانت تقع في تلك السنين بلغت المجاعة في مصر مبلغا صارت تباع معه البيضة الواحدة بخمسة عشر فرنكا والهرة الواحدة بخمسة وأربعين فرنكا، وأن الناس أكلوا في أثناء تلك المجاعة جمال الخليفة وأفراسه التي كان عددها عشرة آلاف، وأنهم رموا في إبانها وزير الخليفة عن ظهر بغلته حينما كان ذاهبا إلى الصلاة في المسجد فذبحوها وأكلوها على مرأى منه، ثم أكلوا جثث الذين قتلوا بسبب هذا الاعتداء، ودامت تلك المجاعة، وكانت كلما دامت أكل الناس بعضهم بعضا، فكان يذبح من يخرج من البيوت من الأولاد والنساء ويؤكل لحمه مع عويله، ومما حدث أن نجت امرأة وكتب لها حظ البقاء حية بعد أن أكل بعضها في تلك الأيام، فكان الناس يشيرون إليها لطويل زمن بعد انقضاء المجاعة. (2) استيلاء العرب على مصر
فتح القائد عمرو بن العاص، الذي هو من عمال الخليفة الثاني، عمر، بلاد مصر في السنة الثامنة عشرة من الهجرة (639م)، وقد ذكرنا ما كان عليه عمرو بن العاص من الحذق والمهارة نحو سكان مصر، فهو لم يتعرض إلى ديانتهم، ولا إلى نظمهم ولا عاداتهم، ولم يطالبهم بغير جزية سنوية قدرها خمسة عشر فرنكا عن كل رأس مقابل حمايتهم، فرضي المصريون بذلك شاكرين، ولم يند سوى الروم، أي الجنود والموظفين ورجال الدين الذين أبوا أن يخضعوا للغزاة فالتجأوا إلى الإسكندرية، فحاصرها العرب حصارا دام أربعة عشر شهرا، وقتل في أثنائه ثلاثة وعشرون ألفا من العرب.
وكان عمرو بن العاص سمحا رحيما نحو أهل الإسكندرية مع تلك الخسارة التي أصيب بها العرب، ولم يقس عليهم، وصنع ما يكسب به قلوبهم، وأجابهم إلى مطالبهم، وأصلح أسدادهم وترعهم، وأنفق الأموال الطائلة على شؤونهم العامة.
وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم؛ فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب، والتي تجعل المرء يسأل: كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنا طويلا؟ وهذه القصة دحضت في زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح العربي بعناية كالتي هدموا بها التماثيل ولم يبق منها ما يحرق.
وكان فتح الإسكندرية مهما لدى العرب كفتح القدس، فقد أسفر عن فتحهم لمصر فتحا نهائيا، وكان لهم به مصدر ثراء قوي، ونقطة ارتكاز يقدرون أن يستندوا إليها لقيامهم بفتوح جديدة أخرى.
ونحن، لكي نقدر أهمية فتح العرب للإسكندرية ومقدار تأثيره في العالم، نرى أن نوجز ما كانت عليه حين دخول العرب بلاد مصر.
Page inconnue