شكل 1-4: ساحة المسجد الكبير في دمشق (من صورة فوتوغرافية).
ذكرنا آنفا أنه كان للعرب مدن مهمة قبل ظهور محمد، وأنه كان في الكعبة الشهيرة أكثر من ثلاثمائة صنم، وإننا نجهل، مع الأسف، كيف كان فن العمارة العربية قبل الإسلام، وأن ما حدث في الحرم المكي، وهو البناء العربي القديم الوحيد المعروف، من الترميم المتصل يجعل وصف ما كان عليه أيام الجاهلية أمرا صعبا، وكل ما نتصوره هو أن المسلمين حافظوا على ترتيبه الأول.
ومهما يكن من أمر فإن مما لا ريب فيه أن مباني الدور الإسلامي الأول لم تكن من صنع العرب، وأن عمال البلاد التي دانت لهم هم الذين غيروا معالم الكنائس؛ لتكون موافقة لعبادة المسلمين، وأنهم أقاموا مباني العرب بأنقاض الكنائس، وأن عمال الفرس والروم هم الذين أتيح للعرب، على الأكثر، أن يستخدموهم في سورية ريثما يكونون أهلا لذلك.
وكان شأن العرب بالنسبة إلى المهندسين الأجانب الذين استخدموهم في دور الفتح كشأن الرجل الغني الذي يقيم لنفسه بيتا، فكما أن المهندس الذي يرسم بيت ذلك الغني يراعي فيه، لا ريب، ذوقه نرى مهندسي الروم قد راعوا ذوق العرب فيما أقاموا لهم من المباني الأولى، فتجلت عبقرية العرب فيها.
ولم يلبث العرب ، بعد أن تحرروا من المؤثرات الأجنبية، أن أصبح لعمارتهم من الأشكال والنقوش الخاصة ما صار يتعذر معه خلطها بغيرها، وإن أمكن أن يرى شيء من الأثر البزنطي أو الفارسي أو الهندي في بعض زخارفها مع محافظة البناء في مجموعة على طابعه العربي.
ولنبحث الآن في بعض المباني المهمة التي تركها العرب في سورية: (4-1) جامع عمر
جامع عمر الشهير القائم في القدس هو عند المسلمين أقدس مكان في الأرض بعد الحرم المكي والحرم المدني، وقد كان دخوله، حتى السنين الأخيرة، محرما على كل أوربي، وإلا قتل، وقد قضى الصليبيون منه أعظم العجب حين اقتحموا القدس، وقد عدوه معبد سليمان، وقد نال شهرة عظيمة في أوربة فأقيمت فيها كنائس كثيرة على طرازه، وقد يكون جامع عمر البناء الديني العالمي الوحيد المقدس عند المسلمين واليهود والنصارى على السواء.
بني جامع عمر على مكان هيكل سليمان الشهير الذي جدده هيرودس، وأعجب بأبهته تيطس، ذات ساعة، حين حاول إنقاذه من اللهب، وعلى الصخرة التي أراد إبراهيم ذبح ابنه عليها امتثالا لأمر الله كما تقول القصة، والأماكن التي تجمع في العالم من الذكريات مثل هذا المكان قليلة إلى الغاية ولا تجد مكانا اتفق له من التقديس ما اتفق لهذا المكان لا ريب، ففيه كان سليمان يعبد رب اليهود القادر، وعليه كان الرومان يسبحون بحمد ملك الآلهة والناس جو پيتر العظيم، وفيه وضع الصليبيون صورة المسيح، والآن يعبد المسلمون فيه إله النبي محمد.
شكل 1-5: مئذنة عيسى في المسجد الكبير بدمشق.
ولم تكن قيمة جامع عمر بما يثير من الذكريات فقط، بل هو من أهم ما شاده الإنسان أيضا، وهو أعظم بناء يستوقف النظر في فلسطين بالحقيقة.
Page inconnue