La civilisation arabe en Andalousie
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
Genres
هي جزيرة في البحر كبيرة على شكل مثلث متساوي الساقين، زاويته الحادة من غربي الجزيرة، بينها وبين ريو وبلاد قلورية من بر الأرض الكبيرة مجاز مسيني؛ حيث يتراوح البحر بين ستة أميال وعشرة أميال، وبين ذنبها الغربي وبين تونس نيف وستون ميلا، وزاويتها الجنوبية تقابل بر طرابلس من أفريقية، وبالقرب من زاويتها الشمالية جزيرة صغيرة فيها بركان النار الذي لا يعلم في العالم أشنع منظرا منه؛ وهذا بركان اسم لجبلين: أحدهما هذا، والثاني في صقلية نفسها في أرض خفيفة التربة، كثيرة الكهوف، ولا يزال يصعد من ذلك الجبل لهب النار تارة، والدخان أخرى؛ ومن ثم كانت كثيرة الزلازل، بحيث يكثر تهدم أبنيتها منها. وسيمر بك قريبا قول ضاف في هذا المعنى.
وقد كانت هذه الجزيرة قبل الفتح خاملة قليلة العمارة، وكانت من عمالات الروم، وأمرها راجع إلى الأنبرور صاحب قسطنطينية، وكان عليها وال من قبل هذا الأنبرور يسمى قسطنطين، وكانت أفريقية
67
تحت ولاية زيادة الله بن الأغلب - كان واليا عليها من قبل المأمون بن هارون الرشيد - فلما كانت سنة ثنتي عشرة ومائتين، استعمل الأنبرور على الأسطول قائدا روميا يسمى فيمي، وكان حازما شجاعا، فغزا سواحل أفريقية وعبث فيها، وبقي هناك مدة، وبعد ذلك كتب الأنبرور إلى قسطنطين يأمره بالقبض على فيمي وتعذيبه، فنمى الخبر إلى فيمي، فانتقض وتعصب له أصحابه، وسار إلى مدينة سرقوسة؛ إحدى مدائن صقلية، فملكها، فسار إليه قسطنطين فالتقوا واقتتلوا، فانهزم قسطنطين إلى مدينة قطانية، فسير إليه فيمي جيشا فقبضوا عليه وقتلوه، واستولى فيمي على صقلية وخوطب بالملك، وولى على ناحية من الجزيرة رجلا اسمه بلاطة، فاتفق بلاطة هو وابن عم له يسمى ميخائيل - كان واليا على بلرم - وجمعا عسكرا كثيرا وقاتلا فيمي، فانهزم فيمي وركب في أسطوله إلى أفريقية مستنجدا بزيادة الله بن الأغلب، فسير معه أسطولا عظيما في تسعمائة فارس وعشرة آلاف راجل، واستعمل عليهم أسد بن الفرات - قاضي القيروان، ومن أصحابه مالك رضي الله عنه، وهو مصنف الأسدية في الفقه على مذهب مالك - وأقلعوا من سوسة،
68
فوصلوا إلى مدينة مأزر من صقلية، وساروا إلى بلاطة الذي قاتل فيمي فهزموه والروم الذين معه، وغنموا أموالهم، وهرب بلاطة إلى قلورية، فقتل واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة، وجرت وقائع كثيرة بين الروم والمسلمين امتدت سنين طوالا، وانتهت باستيلاء المسلمين على جميع جزيرة صقلية. وبقيت صقلية بيد بني الأغلب يتناوبها عمالهم إلى أن أدال الله منهم للعبيديين، ودانت لعبيد الله المهدي أفريقية وما إليها، فأخذوا يبعثون عمالهم عليها إلى أن كانت فتنة أبي يزيد، وشغل أبو القاسم القائم والمنصور العبيدي من بعده بأمره - فلما انقضت فتنة أبي يزيد، عقد المنصور على صقلية لأبي الغنائم الحسن بن أبي الحسين بن علي الكلبي - وكان له في الدولة محل كبير، وفي مدافعة أبي يزيد
69
غناء عظيم - فمهد الأمور للعبيديين، وغزا بلاد قلورية، وأقام واليا على صقلية وما إليها إلى أن استأثر الله بالمنصور، وقام بالأمر من بعده ولده المعز لدين الله أبو تميم معد، فسار الحسن إليه بأفريقية سنة إحدى وأربعين، واستخلف على ما وراءه ابنه أبا الحسين أحمد. ولا يزال هذا الأمير، أيده الله واليا على صقلية وما إليها إلى اليوم، وهو سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، ومقامه ببلرم حضرة هذه الجزيرة.
وهذه الجزيرة جد خصيبة ،
70
Page inconnue