وقال الفضل بن عياض: اجتمع محمد بن واسع، ومالك بن دينار فقال مالك بن دينار: ما هو إلا طاعة الله أو النار، قال محمد بن واسع: ليس كما تقول، ما هو إلا عفو الله أو النار، ثم قال مالك بن دينار: إنه ليعجبني أن تكون للإنسان معيشة قدر ما تقوته، قال محمد بن واسع: ولا هو كما تقول، ولكن يعجبني أن يصبح الرجل، وليس له غداء، ويمسي وليس له عشاء، وهو مع ذلك راض عن الله، قال مالك بن دينار: ما أحوجني إلى من يعلمني مثلك.
وكان يجلس إلى سفيان الثوري فتى كثير الفكرة، حسن الاستماع، طويل الإطراق، فأراد سفيان أن يحركه ليسمع كلامه، فقال: يا فتى إن من كانوا قبلنا مروا على خيل عتاق، وبقينا على حمير دبرة، فقال: أبا عبد الله إن كنا على الطريق فما أسرع لحوقنا بالقوم.
وقيل لرجل ولي في الحرب: لا تهرب؛ فإن الأمير يغضب عليك، فقال: غضبه علي وأنا حي خير من رضاه عني وأنا ميت.
وعرض الإسكندر جنده، فتقدم إليه رجل على فرس أعرج، فأمر بإسقاطه، فضحك الرجل وولى، فأنكر الإسكندر ذلك وأمر برده فقال له: ما حملك على ما رأيت منك وقد أسقطتك؟ قال: تعجبت من فعلك، قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن تحتك آلة الهروب، وتحتي آلة الوقوف والثبات فأسقطتني، فعجب الإسكندر من قوله، وزاد في عطائه.
وقيل لرجل: لم لا تخرج تقاتل العدو؟ قال: والله لا أعرف أحدًا منهم ولا يعرفني فمن أين وقعت هذه العداوة بيني وبينهم.
ومدح بعض الشعراء محمد بن عبدوس صاحب الشرطة، فقال له: أما أن أعطيك من مالي شيئًا فلا، ولكن اذهب فاجن جناية، لا آخذك بها.
وجاء رجل إلى ابن أبي يعقوب فقال له: إذا نزعت ثيابي، ودخلت إلى النهر لأغتسل، إلى أين أتوجه؟ قال: أفضل ذلك أن يكون توجهك إلى ثيابك.
وسأله آخر، فقال له: إذا شيعت الجنازة أقدامها أفضل أم خلفها؟ قال: اجهد ألا تكون فوقها، وكن حيث شئت من نواحيها.
وجاء رجل إلى سوار القاضي، فقال: ما تقول أبقاك الله في القبلة في نهار رمضان؟ قال: مكروهة، قال: فإنها من صديقي، قال: تلك عافاك الله تقبل في شوال.
ودخل حارثة بن زيد على زياد، وبوجهه أثر، فقال له: ما هذا يا حارثة؟ قال: أصلح الله الأمير، ركبت فرس الأشقر فجمح بي فقال له زياد: أما أنك لو ركبت الأشهب لم يصبك منه شيء أراد حارثة بالأشقر النبيذ، وأراد زياد بالأشهب اللبن.
ووقف معاوية بن مروان بباب طحان، فنظر إلى حمار له يدور الرحا، في عنقه جلجل، فقال للطحان: لم جعلت الجلجل في عنق حمارك؟ قال: ربما تدركه سآمة أو نعاس، فإذا لم أسمع صوت الجلجل وعلمت أنه واقف، فصحت به قال: أرأيت إن وقف وحرك رأسه بالجلجل؟ قال: ومن لي بحمار يكون له مثل عقل الأمير.
وباع رجل ضيعته، فلما قبض ثمنها، قال للمشتري: لقد أخذتها كثيرة المثونة، قليلة المعونة، فقال له المشتري: وأنت والله لقد أخذتها بطيئة الاجتماع، سريعة الافتراق.
وقيل لعلي ﵁: كم بين المشرق والمغرب؟ قال: مسيرة يوم للشمس، قيل: فكم بين السماء والأرض؟ قال: مسيرة ساعة لدعوة مستجابة.
وقال أبو جعفر لعمرو بن عبيد: أعني بأصحابك أبا عثمان، قال: ارفع علم الحق يتبعك أهله.
وشكى قوم إلى المسيح ﵇ ذنوبهم، فقال: اتركوها تغفر لكم.
وقيل لعقيل: مالك لا تطيل الهجاء؟ قال: يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق.
وأقبل حاكم، فرأى سكران بالأرض، فأمر به إلى السجن، فقال له الخدمة: قم إلى السجن، فقال: لو كنت أستطيع المشي إلى السجن لمشيت إلى داري.
وكان رجل غائبًا عن أهله، فسألوا عن حاله: فقال لهم: هو أندلسي من رأسه، وغزي من أكتافه، ومحرم من بدنه، وتوزي من رجليه، ومتعبد من جسده، فقالوا: قل لنا: إنه عريان بالجوع.
وكان رجل له زوجة جميلة، فقال له أحد أصحابه: إنها تخونه، فطلقها وتزوج امرأة أخرى. فقال له صاحبه ذلك. كيف أنت مع هذه؟ قال: كنت آكل شهدًا مع غيري، صرت آكل قطرانًا وحدي، يريد أنها قبيحة.
وقيل لشبيب بن شيبة عند باب الرشيد: كيف رأيت الناس؟ قال: رأيت الداخل راجيًا، والخارج راضيًا.
وتكلم ابن السماك يومًا، وجارية له تسمع، فلما دخل قال: كيف سمعت؟ قال: ما أحسنه، لولا أنك تردده، قال: أردده حتى يفهمه من لم يفهمه، قالت له: إن كنت تردده حتى يفهمه من لم يفهمه يمله من فهمه.
1 / 15